الإمام السيوطي وأسباب الورود (2)

نذكر هنا بعض الأمثلة التي توضح منهج السيوطي في كتابه: «اللمع في أسباب ورود الحديث»

ويمكن أن نقسم الأمثلة إلى ثلاثة أقسام:

الأول: ذكر سبب واحد للحديث.

الثاني: ذكر سببين للحديث الواحد.

الثالث: ذكر أكثر من سببين للحديث الواحد.

وسنذكر مثالا واحدا لكل قسم من هذه الأقسام

القسم الأول: ذكر سبب واحد للحديث:

قال في باب الطهارة:

(حديث: أخرج مالك(1) والشافعي(2) وأحمد(3) وابن أبي شيبة(4) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).

سبب: أخرج أحمد(5) والحاكم(6) والبيهقي(7) عن أبي هريرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فجاء صياد فقال: يا رسول الله إننا ننطلق في البحر نريد الصيد، فيحمل أحدنا معه الإداوة وهو يرجو أن يأخذ الصيد قريبا، فربما وجده كذلك، وربما لم يجد الصيد حتى يبلغ من البحر مكانا لم يظن أنه يبلغه، فلعله يحتلم أو يتوضأ، فإن اغتسل أو توضأ بهذا الماء، فلعل أحدنا يهلكه العطش فهل ترى في ماء البحر أن نغتسل به أو نتوضأ به إذا خفنا ذلك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(اغتسلوا منه وتوضئوا فإنه الطهور ماؤه الحلّ ميتته).(8)

القسم الثاني:  ذكر سببين للحديث الواحد.

قال في كتاب الصلاة:

(حديث: أخرج البخاري(9) ومسلم(10) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)).

سبب: قال : أبو أحمد الحاكم واسمه محمد بن إسحاق الحافظ، في مجلس من أماليه أنا أبو جعفر محمد بن الحسين الحناوي، ثنا محمد بن العلاء، ثنا خلف بن أيوب العامري، ثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به نام حتى طلعت الشمس فصلى وقال: (من نام عن الصلاة أو نسيها، فليصلها حين ذكرها) ثم قرأ(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).

ورأيت بخط الشيخ ولي الدين العراقي في بعض مجاميعه، وقد أورد هذا الحديث مع نصه : أخرجه أبو أحمد الحاكم في مجلس من أماليه وقال: غريب من حديث معمر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة مسندا، لا أعلم أحدا حدث به غير خلف بن أيوب العامري من هذه الرواية، وأبان بن يزيد العطار عنه يعني عن معمر.

وقال الشيخ ولي الدين: ويحسن أن يكون عن الجواب المشهور وهو لم يقع بيان جبريل إلا في الظهر، وقد فرضت الصلاة بالليل ؟ فيقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم نائما وقت الصبح، والنائم ليس بمكلف قال: وهذه فائدة جليلة، والحديث إسناده صحيح انتهى.

قلت: وليس كما قال فإن المراد في هذا الحديث ليلة أسري في السفر ونام عن صلاة الصبح لا ليلة أسري إلى السماء فالتبس عليه لفظ أسري(11)

سبب ثان: أخرج الترمذي(12) وصححه، والنسائي(13) عن أبي قتادة قال : ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: (إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها).

وأخرج أحمد(14): عن أبي قتادة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا) وانطلق سرعان الناس يريدون الماء ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته، فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعمته فأدعم، ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته، فانتبه، فقال :(من الرجل(؟ قلت: أبو قتادة، قال :(مذ كم كان مسيرك)؟ قلت: لا منذ الليلة قال: (حفظك الله كما حفظت رسوله)ثم قال: (لو عرسنا) فمال إلى شجرة فنزل فقال: (انظر هل ترى أحدا؟) قلت: هذا راكب، هذان راكبان حتى بلغ سبعة فقال: (أحفظوا علينا صلاتنا) فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس، فانتبهنا، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسار وسرنا هنيئة، ثم نزل فقال:(أمعكم ماء؟) قال: قلت: نعم، معي ميضأة فيها شئ من ماء قال: (ائت بها) فأتيته بها فقال: (مسوا منها) فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال: (ازدهر بها يا أبا قتادة فإنه سيكون لها نبأ)، ثم أذن بلال وصلوا الركعتين قبل الفجر ثم صلوا الفجر، ثم ركبوا وركبنا، قال بعضهم لبعض: فرطنا في صلاتنا فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإلي) قلنا: يا رسول الله فرطنا في صلاتنا فقال: (لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة، فإن كان ذلك فصلوها ومن الغد وقتها))(15)


 

(1) الموطأ (41).

(2) مسند اشافعي (1).

(3) مسند أحمد (2/237/ 7232).

(4) امصنف ابن أبي شيبة (1/122).

(5) مسند أحمد (2/ 392/ 9088 )

(6) مستدرك الحاكم (493)

(7) السنن الكبرى للبيهقي (2)

(8) اللمع في أسباب ورود الحديث (ص 31-32)

(9) صحيح البخاري: كتاب مواقيت الصلاة،باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة، وقال إبراهيم:من ترك صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة (597)

(10) صحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها (684)

(11) انظر شرح السيوطي لسنن النسائي (1/ 296)

(12) جامع الترمذي: كتاب الصلاة، باب ما جاء في النوم عن الصلاة (177)، وقال: حسن صحيح.

(13) سنن النسائي: كتاب المواقيت، باب فيمن نام عن الصلاة (615، 616)، وقال الألباني في صحيح أبي داود (425): صحيح

(14) مسند أحمد (5/ 298/ 22599- 22601).

وأصل الحديث متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب الأذان بعد ذهاب الوقت (595)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها (681، 683)

(15) اللمع في أسباب ورود الحديث (ص 36-38)



بحث عن بحث