إنَّ مِنَ الشِّعْر حِكْمةً

 

   عن ابن عباس قال: أتى أعرابي إلى النبي فتكلم بكلام بين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ مِنَ الشِّعْر حِكْمةً، وإنَّ مِن البيانِ سِحْراً ) (1).

 

شرح المفردات(2) :

(حِكْمةً ) أَيْ: قَوْلًا صَادِقًا مُطَابِقًا لِلْحَقِّ . وَقِيلَ : أَصْل الْحِكْمَة الْمَنْع ، فَالْمَعْنَى إِنَّ مِنْ الشِّعْر كَلَامًا نَافِعًا يَمْنَع مِنْ السَّفَه، قيل: الحكمة: المواعظ والأمثال التي ينتفع بها.

(سِحْراً ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْبَيَان اِثْنَانِ: أَحَدهمَا: مَا تَقَع بِهِ الْإِبَانَة عَنْ الْمُرَاد بِأَيِّ وَجْه كَانَ ، وَالْآخَر : مَا دَخَلَتْهُ الصَّنْعَة بِحَيْثُ يَرُوق لِلسَّامِعِينَ وَيَسْتَمِيل قُلُوبهمْ ، وَهُوَ الَّذِي يُشَبَّه بِالسِّحْرِ إِذَا خَلَبَ الْقَلْب وَغَلَبَ عَلَى النَّفْس حَتَّى يُحَوِّل الشَّيْء عَنْ حَقِيقَته وَيَصْرِفهُ عَنْ جِهَته ، فَيَلُوح لِلنَّاظِرِ فِي مَعْرِض غَيْره . وَهَذَا إِذَا صُرِفَ إِلَى الْحَقّ يُمْدَح ، وَإِذَا صُرِفَ إِلَى الْبَاطِل يُذَمّ .

 

من فوائد الحديث(3):

1- قَالَ اِبْن بَطَّال : مَا كَانَ فِي الشِّعْر وَالرَّجَز ذِكْر اللَّه تَعَالَى وَتَعْظِيم لَهُ وَوَحْدَانِيّته وَإِيثَار طَاعَته وَالِاسْتِسْلَام لَهُ فَهُوَ حَسَن مُرَغَّب فِيهِ ، وَهُوَ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث بِأَنَّهُ حِكْمَة ، وَمَا كَانَ كَذِبًا وَفُحْشًا فَهُوَ مَذْمُوم.

2- قَالَ الطَّبَرِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيث رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ الشِّعْر مُطْلَقًا وَاحْتَجَّ بمرويات عن بعض السلف كاِبْن مَسْعُود وَمَسْرُوق، ولكنها واهية – كما قال الحافظ ابن حجر- وَعَلَى تَقْدِير قُوَّتهَا فَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْإِفْرَاط فِيهِ وَالْإِكْثَار مِنْهُ. وقد دل على جواز إنشاد الشعر أحاديث وآثار كثيرة منها مأَخْرَجَ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " عَنْ عُمَر بْن الشَّرِيد عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " اِسْتَنْشَدَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِعْر أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فَأَنْشَدْته، حَتَّى أَنْشَدْته مِائَة قَافِيَة "، وكان صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينصب لحسان منبراً لينشد الشعر الذي يهجو فيه المشركين، وقال: اللهم أيده بروح القدس. وقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه. وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ حَسَن عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ : " لَمْ يَكُنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْحَرِفِينَ وَلَا مُتَمَاوِتِينَ، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَار فِي مَجَالِسهمْ وَيَذْكُرُونَ أَمْر جَاهِلِيَّتهمْ ، فَإِذَا أُرِيدَ أَحَدهمْ عَلَى شَيْء مِنْ دِينه دَارَتْ حَمَالِيق عَيْنَيْهِ ".

3- جاء عن السلف رحمهم الله الحث على حفظ الأشعار ولاسيما ما كان منها يدعو إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، فيروى عن عمر بن الخطابِ رضي اللهُ عنه قوله: تحفّظوا الأشعارَ وطالِعوا الأخبار، فإنّ الشِّعرَ يدعو إلى مكارم الأخلاقِ ويعلِّمُ محاسِنَ الأعمالِ، ويبعثُ على جميلِ الأفعالِ، ويفتُقُ الفِطْنةَ، ويشحَذُ القريحةُ، ويحدو على ابتناءِ المناقبِ وادّخار المكارمِ، وينهى عن الأخلاقِ الدنيئةِ، ويزجُرُ عن مُواقَعَةِ الريَبِ، ويحضُّ على معاني الرُتَبِ(4).

 


(1) أخرجه أحمد برقم 2813، وأبو داود برقم 5013 ،وأصله في الصحيحين، البخاري برقم 5146، ومسلم برقم 2046.

(2) فتح الباري لابن حجر (17 / 338).

(3) ينظر: المرجع السابق.

(4) ينظر: زهر الآداب وثمر الألباب - (1 / 9).

 

 



بحث عن بحث