شجاعته وإقدامه صلى الله عليه وسلم

 

عن علي رضي الله عنه قال" كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون أحد منا أدنى إلى القوم منه ".(1)

عن أنس بن مالك قال ذُكِر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " كان أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلقوا قِبَل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه من سرج في عنقه السيف وهو يقول: " يا أيها الناس لن تراعوا " يردُّهم، ثم قال للفرس: " وجدناه بحرا " أو " إنه لبحر ".

قال حماد: وحدثني ثابت أو غيره قال: كان فرسا لأبي طلحة يُبطَّأ فما سبق بعد ذلك اليوم ".(2)

لقد امتاز الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بعزيمة قوية، وشجاعة نادرة، لكمال إيمانهم وقوة يقينهم بالله، وصدقهم مع الله تبارك وتعالى، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قمة هذه الأوصاف، من الشجاعة الأدبية والقتالية، فكان ثابت الجنان عند مخاطبة أهل الكفر والطغيان لا يخاف في الله لومة لائم، وظل مقداما شجاعا في مقارعة الأعداء والصبر على اللأواء.

حيث حضر المعارك الحاسمة، والغزوات الطاحنة، التي تبلغ ( 27 ) غزوة بدءاً بغزوة ( بواط ) وانتهاءً ( بتبوك ) فثبت كالطود العظيم، شامخا مقداما في أشد أوقات الأزمة والمحنة، وكان الأبطال المبرزون يحتمون ويتترسون به من ضرب السيوف ورمي السهام، وهو أقرب المقاتلين إلى العدو يواجههم ويقاتلهم ثابت القدم، رابط الجأش، مطمئن القلب (3).

وظلت شجاعته صلى الله عليه وسلم في الصورة المثلى التي لا يدانيه في مثلها أحد من الشجعان، مما يجعل نواصي الأبطال في تاريخ البشرية تتواضع لشجاعته وإقدامه إكبارا له وتبجيلا.

وهذا التميز الفريد سوّغ له أن يكون مأمورا بقتال المشركين إذا واجهوه ولو كان وحده، لكمال شجاعته(4), كما في قوله تعال( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرّض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) [ النساء : 84 ].

كان محمد صلى الله عليه وسلم شجاعا لكن في رحمة، وجريئا صنديدا لكن في الحق، بطلا في تواضع وحكمة.

على عكس ما قد يحصل لكل شجاع مغوار مغتر ببطولته، طاغ في قوته ونفوذه وجبروته.

فحين يلوح نذير خوف يذعر الناس ويفزع القلوب نرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أول من ينطلق قِبَل الداعي، يسبق الفرسان الشجعان بأقرب فرس يركبه ليسرع به إلى مراده، ولفرط شجاعته وسرعة نجدته لم ينتبه لسرج فرسه ولم يكترث بعريّه منه.

ويمضي صلى الله عليه وسلم مستطلعا الأمر، مستجليا الحقيقة، على دابة غدت كالبحر في سرعة هيجانه وتقلب أمواجه، فإذا الصوت المفزع ضرب من المعتاد من الحيوان أو الجماد.

فانقلب الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى الناس يطمئنهم ويبشرهم بالأمان بقوله " يا أيها الناس لن تراعوا ".

 يقف وحده في الميدان ومواجهة الأخطار، ويردهم عن الخروج في طلب أثر الصوت لئلا يشق عليهم النفير إليه.

فيا لله .... أي قوة تفتق منها هذا الرفق، وأي بأس جر معه ذلك الحرص على الناس قبل النفس.

 

       على قدر أهل العزم تأتي العزائم   * وتأتي على قدر الـــكــرام الـمـكـــارم

       وقفت وما في الموت شك لواقف  * كأنك في جفن الردى وهو نائم

       تمرّ بــك الأبــــطــال كلــمى هـــزيمـــة   * ووجـــهــــك وضــــاح وثـــغــــرك بــــاســم (5)

 


(1) المستدرك على الصحيحين ج 2/ص 155 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(2) هذا الحديث صححه الألباني صحيح سنن ابن ماجه ج2/ص384 برقم 2254.

(3) ينظر شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم (ص 123).

(4) ينظر تفسير ابن كثير (1/530) وتفسير القرطبي (5/90) وأخلاق النبي في الكتاب والسنة (3/1343).

(5) أبيات من قصيدة أبي الطيب المتنبي.



بحث عن بحث