مصادر قيم الإسلام الخلقية - المصادر الأصلية-(5-9).

 

 

أهمية الضمير:

   إن عدم صلاح الضمير مصدراً للقيم الخلقية في الإسلام لا يعني التقليل من شأنه, أو إهمال تربيته والعناية به, بل توليه بالرعاية والتربية من أوجب الواجبات لما له من أثر في توجيه سلوك الإنسان وتحديد وجهته" ذلك أن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره, وليست قوانين الجماعات ولا سلطة الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تحترم فيها الحقوق, وتؤدي الواجبات على وجهها الكامل, فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية لا يلبث أن يهمله متى أطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة القانون"(1).

   فصلاح الفرد وتمام استقامته مرهون بصلاح قلبه وسلامة ضميره, كما أن صلاح الضمير موقوف على الدين وفي تقرير هذا يقول الماوردي رحمه الله: "إن الدين يصرف النفوس عن شهواتها، ويعطف القلوب عن إرادتها، حتى يصير قاهراً للسرائر، زاجراً للضمائر، رقيباً على النفوس في خلواتها، نصوحاً لها في ملماتها. وهذه الأمور لا يوصل بغير الدين إليها ولا يصلح الناس إلا عليها"(2).

   وذلك أن الدين بقيامه على الإيمان بالغيب يبعث في النفس مشاعر الرغبة والرهبة من الله تعالى المطلع على الإنسان في سائر أحواله, والعالم بخلجات صدره ووساوس نفسه, قال تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (3).

وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (4).

وقال: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(5).

   والإسلام بهذا "يستل من الضمير الإنساني الحي سيفاً مصلتاً يقضي على جرثومة الشر قبل انتفاضتها .. فسلطة الضمير المؤمن أقوى من السلطان الخارجي, ولدغته على اكتساب الإثم أشد على النفس من طعن السنان, والنفس المؤمنة الحرة يرمضها جمر المعصية قبل أن تلم بها, وهذا المعنى هو ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في تعريف الإثم (والإثم ما حاك في نفسك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس) (6) " (7).


(1) محمد عبد الله دراز الدين – ص99, دار القلم – الكويت 1400هـ.

(2) الماوردي – أدب الدنيا والدين ص 136, تحقيق مصطفى السقا, دار الكتب العلمية, بيروت, ط4 سنة1398هـ.

(3) سورة الملك الآيتين 13-14.

(4) سورة ق (16).

(5) سورة غافر (19).

(6)  أخرجه مسلم, وسبق تخريجه.

(7) مناع القطان – خصائص التشريع الإسلامي ص 191 – 192, ندوة المحاضرات, أعداد رابطة العالم الإسلامي لعام 1385هـ.

 

 



بحث عن بحث