آثار قيم الإسلام الخلقية في علاقة السلم والحرب (6- 9)

 

 

-  القيم الخلقية في حال الحرب :

يمكن تبين عناية الإسلام بالقيم الخلقية في حال الحرب من خلال الأمور التالية :

أ  - أن القيم الخلقية داخلة في أهداف الحرب في الإسلام ومن مستلزماتها مقاصدها .

وبيان ذلك أن المقصد الأصلي للقتال في الإسلام هو – كما سبق – تمكين الناس من أسباب الهداية , ودعوتهم إلى الإسلام , وإزالة كل من يمنع أو يصد عن ذلك .

فعن بريده(1) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله, ومن معه من المسلمين خيراً , ثم قال: ( إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال- أو خلال- فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم, ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم , فإن هم أبوا فسلهم الجزية, فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم , فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم (2)) . وقال عليه الصلاة والسلام لعلي يوم خيبر:( أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم , فو الله لآن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم(3)) .

ومن المسلم به أن القيم الخلقية من واجبات الإسلام الرئيسة التي يلزم المسلم الأخذ بها ويحرم عليه مخالفتها والإخلال بها , وعليه فالدعوة إلى الإسلام دعوة إلى التزام شعائره والأخذ بما جاء به من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات .

ب  - أنه لا غنى في القتال عن القيم الخلقية من الصبر والشجاعة والثبات والإنفاق والبذل لنيل المراد وتحقيق المقصود , وقد أكد عليها الإسلام وحث على التمسك بها, فقال تعالى في الحث على الشجاعة والثبات:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ) [الأنفال:45] وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )[ الأنفال:15– 16] وقال تعالى في الصبر:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[ آل عمران:200] وقال عليه الصلاة والسلام : " لا تتمنوا لقاء العدو, فإذا لقيتموه فاصبروا(4)" وكان عليه الصلاة والسلام يبايع أصحابه على الصبر(5), ويبايعهم على الموت(6)".

وأما البذل والإنفاق في سبيل الله فقال تعالى:( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[البقرة :195] وقال تعالى:( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) [التوبة:111] وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ) [الصف:10– 11].

  


(1) بريده بن الحصيب, أبو سهيل الأسلمي , أسلم قبل بدر , مات سنة 63 ه . أسد الغابة(1 /209) تقريب التهذيب 121 .

(2) رواه مسلم, في الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، رقم (1731).

(3) رواه البخاري , في الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة، رقم (2942).

(4) رواه البخاري، في الجهاد والسير، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، رقم (2966).

(5) رواه البخاري، في الجهاد والسير، باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، رقم (2958).

(6) رواه البخاري، في الجهاد والسير ، باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، وقال بعضهم: على الموت، رقم (2960).

 

 

 



بحث عن بحث