آثار قيم الإسلام الخلقية في علاقة السلم والحرب (1- 9)

 

 

ثالثــــــــــــا : آثـــــــــــار القــــيم الخلقيـــــة في علاقة السلم والحرب

- علاقة المسلمين بغيرهم :

الناس بالنسبة للمجتمع الإسلامي قسمان: قسم معادون للمسلمين محاربون لهم, مانعون لهم من إظهار دينهم وتبليغه, فدارهم دار حرب, وهؤلاء أمر الله بجهادهم وكسر شوكتهم حتى يأمن المسلمون من خطرهم وشرهم, ويتسنى لهم إظهار الدين وتبليغه للناس, وقسم أهل ذمة وهم المسالمون للمجتمع الإسلامي الخاضعون له, مع بقائهم على كفرهم , وأدائهم للمسلمين الجزية المضروبة عليهم .

قال ابن القيم في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكفار: " كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة, وأهل حرب, وأهل ذمة .. ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام, فصاروا معه قسمين: محاربين, وأهل ذمة (1)".

1  - علاقة السلم

- القيم الخلقية مع غير المسلمين في حال السلم :

لما كانت حال أهل الذمة غير مستقيمة لما هم عليه من كفر وظلم وانحراف, لم تكن معاملتهم خالصة, بل ممزوجة ببعض ما يوجب لهم الذلة والصغار, إشعاراً لهم بعدم الرضا عن حالهم وما هم عليه من ضلال، وحضاً لهم على رفع هذا الذل بالدخول في دين الله والتزام شرعه .

- فمن ذلك أنهم ملزمون بدفع الجزية عن صغار وذلة كما قال تعالى:( حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )[ التوبة: 29] فيؤدونها خضوعا لحكم الله, وانقيادا لشرعه, والتزاما بأمره .

- ومن ذلك أن على المؤمنين بغضهم ومعاداتهم, كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )[الممتحنة:1] وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )[ المائدة: 51]، قال شيخ الإسلام: " الولاية: ضد العداوة وأصل الولاية المحبة والقرب, وأصل العداوة البغض والبعد (2)".وقال تعالى:( لاتَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)[ المجادلة:22] ففي الآية نهي عن بذل المحبة والود إلى الكفار " وهي عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل (3)" .

- ومن ذلك منعهم من كل أسباب العلو ومظاهر العزة وأعظم ذلك السلطة والولاية , قال ابن القيم:" لما كانت التولية شقيقة الولاية, كانت توليتهم نوعا من توليهم, وقد حكم الله تعالى بأن من تولاهم فإنه منهم ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم , والولاية تنافي البراءة, فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً , والولاية إعزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبداً (4)" .

فيمنعون من الولاية لأنهم ليسوا لها بأهل, ولما هم عليه من بغض وعداوة وغش للمؤمنين , واستحلال لخيانتهم وظلمهم وأكل أموالهم, كما قال تعالى:( يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدّواْ مَا عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ  وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ  ) [آل عمران:118]وقال تعالى:( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )[آل عمران: 75] .

 


(1)- ابن القيم – زاد المعاد (3 / 159 – 160 ) مختصرا . وانظر : ابن حجر – فتح الباري (7 / 68 )0

(2)- ابن تيمية – الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص6 , المكتب الإسلامي – بيروت , ط4 ص 1397 . وانظر في صور الموالاة : سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – أوثق عرى الإيمان في الجامع الفريد – المحتوي على رسائل وكتب أئمة الدعوة ص 367 , مطبعة المدينة – الرياض .

(3)- ابن حجر – فتح الباري (5 / 233 ).

(4)- ابن القيم – أحكام أهل الذمة (1 / 242 ) تحقيق صبحي الصالح , دار العلم للملايين ط2 سنة 1401 ه .

 



بحث عن بحث