آثار قيم الإسلام الخلقية في حياة الصحابة رضي الله عنهم (7-11).

 

ومن صور العدل التي تتجلى فيها العناية الكبيرة بالقيم الخلقية ما جرى لجبلة بن الأيهم الغساني(1)ملك نصارى العرب. فقد ذكر أنه أسلم وقدم على عمر وشهد الحج معه , فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطىء إزاره رجل من بني فزارة فانحل , فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل , فاستعدى عليه الفزاري إلى عمر, فاستحضره عمر, فاعترف جبلة, فقال له عمر: أقدته منك. فقال : كيف وأنا ملك وهو سوقة ؟ فقال: إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى , فقال جبلة: قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية .

فقال عمر: دع ذا عنك, فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك. فقال: إذاً أتنصر , فقال: إن تنصرت ضربت عنقك, فلما رأى الجد قال: سأنظر في أمري هذه الليلة, فانصرف من عند عمر, فلما ادلهمّ الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلى الشام ولحق بالروم(2)".

    نصرف من عند عمر الليلة بالتفوهكذا أصر عمر على القود منه إقامة للعدل ورعاية للحقوق .

وأما الأمانة فعن أبي بكر بن عياش(3)قال : جيء بتاج كسرى إلى عمر رضي الله عنه فقال : إن الذين أدوا هذا لأمناء , فقال له علي رضي الله عنه : إن القوم رأوك عففت فعفوا , ولو رتعت لرتعوا(4) .

- ومن أعظم تطبيقاتها في الحياة السياسية إسناد الأمر إلى أهله, ولأهمية هذه القضية وخطورتها جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الإخلال بها علامة النهاية ونذير قيام الساعة , فقال عليه الصلاة والسلام: " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال – أعرابي سأل-: كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة(5) " .

وعن سيرة الخلفاء في هذا الجانب يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" كان عمر بن الخطاب من أعظم الناس فراسة, وأخبرهم بالرجال , وأقومهم بالحق , وأعلمهم به . . وما استعمل عمر قط , بل ولا أبو بكر على المسلمين منافقا, ولا استعملا من أقاربهما, ولا كان تأخذهما في الله لومة لائم(6)" هذا شيء يسير فيما يتعلق بالجانب السياسي .

أما الحياة العامة فقد كان أبرز صفات الصحابة رضي الله عنهم الرحمة والتواضع للمؤمنين, والشدة والغلظة على الكافرين , كما قال الله تعالى:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) [ الفتح:29].

وخلق الرحمة متضمن الإحسان إلى المؤمنين , ومحبة الخير لهم , والسعي في إيصاله إليهم , والإمساك عن أذاهم , ومنع وصوله إليهم حسب الإستطاعة .

والتواضع هو خفض الجناح , ولين الكلام , وإجابة الدعوة والسعي في الحاجة . . ونحو ذلك .

والتواضع والرحمة ركيزة رئيسة ودعامة قوية من دعائم استقرار المجتمع وسيادة جو المحبة والصفاء والتآلف والتعاون بين أفراده, وأيضا فإن هذه الأخلاق جالبة لمحبتهم والتقبل منهم والأخذ عنهم , فيتسنى لهم تبليغ الدعوة وبث الخير ونشر الفضيلة. 


 

(1) جبلة بن ألأيهم الغساني , كان ملك غسان وهم نصارى العرب . أيام هرقل , مات في أرض الروم سنة 53 ه . البداية والنهاية (8 /63 )0

(2) ابن كثير – البداية والنهاية (8 /64 )0

(3) أبو بكر بن عباش بن سالم ألأسدي الكوفي المقرئ , ثقة عابد , مات سنة 194 ه وقيل قبل ذلك بقليل . تقريب التهذيب 624 .

(4) ابن الجوزي – مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ص163 , دار الكتب العلمية – بيروت .

(5) رواه البخاري , ابن حجر – فتح الباري (11 /333)0

(6) - ابن تيمية – سؤال في معاوية بن أبي سفيان , تحقيق صلاح الدين المنجد ص 22 – 23 ,  مختصرا . دار الكتاب الجديد – بيروت , ط1 سنة 1979 م . 

 



بحث عن بحث