حكم الكلام في الرواة

                                                 

 

الكلام في الرواة جرحًا وتعديلًا واجب على الكفاية بإجماع المسلمين احتياطًا في أمر الدين، وتمييزًا لمواقع الغلط في هذا الأصل العظيم (السنة) والذي عليه مبنى الإسلام، وأساس الشريعة - مع القرآن الكريم – لكي يعرف من ترد روايته من تقبل.

والأصل في ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )[الحجرات: 6].

ومن السنة: «حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجُلٌ فقال ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بِئْس أخو العشيرة فلما دخل ألان له الكلام فقلت له يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألَنْتَ له في القول فقال أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاءَ فُحْشِهِ»(1).

وحديث فاطمة بنت قيس عندما جاءتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره فيمن تتزوج فقال: «أما أبو جهم فلا يضع عصَاهُ عن عاتِقِه وأمَّا معاوية فصعلوك لا مال له انْكِحِي أسامة بن زيد»(2)

قال أبو حاتم بن حبان: وفي هذا دليل على أن إخبار الرجل بما في الرجل على جنس الإبانة ليس بغيبة(3)

وقال الخطيب البغدادي: في هذا الخبر دلالة على أن إجازة الجرح للضعفاء من جهة النصيحة لتجنب الرواية عنهم، وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم(4)

وقال أبو حاتم بن حبان: فهؤلاء أئمة المسلمين وأهل الورع في الدين، أباحوا القدح في المحدثين، وبينوا الضعفاء والمتروكين، وأخبروا أن السكوت عنه ليس مما يحل، وأن إبداءه أفضل من الإغضاء عنه، وقد تقدمهم فيه أئمة قبلهم ذكروا بعضه وحثوا على أخذ العلم من أهله (5)

ذكر ابن المبارك رجلًا، فقال: يكذب، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟ قال: اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟

وقال يحيى بن سعيد: سألت سفيان الثوري، وشعبة، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة عن الرجل واهي الحديث، فأسأل عنه، فأجمعوا أن أقول: ليس هو ثبتًا، وأن يبين أمره.

وقال أبو تراب النخشبي الزاهد لأحمد بن حنبل: يا شيخ! لا تغتب العلماء، فقال له أحمد: ويحك هذا نصيحة، ليس هذا غيبة(6)

فتبين من هذا أن الكلام في الرواة لبيان حالهم من الضعف أو التوثيق لغرض التوصل إلى الحكم على الأحاديث وبيان حالها صحة وضعفًا جائز بل فرض كفاية كسائر العلوم.

وهذا الحكم استثناءً من حكم الغيبة التي هي الكلام في الآخرين وبيان عيوبهم، ومن المعلوم أن الغيبة حرام بإجماع المسلمين لقوله تعالى: ( وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ...) [الحجرات: 12].

وقوله صلى الله عليه وسلم: «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره...» الحديث(7).

وعليه ما يلي:

1- أن الكلام في المستثنى يكون على قدر الحاجة فلا يزيد عنها.

2- أن لا يتخذ هذا الأمر ذريعة للكلام في غير مظانه، ومن ثم فيخرج عن حكمه المستثنى إلى الأصل وهو الغيبة.

3- خطأ كثيرين في العصور المتأخرة ممن يستخدم هذه القاعدة على غير أغراضه كالحديث عن سلبيات بعض العلماء وطلبة العلم، أو تسفيه آرائهم ونحو ذلك.


(1) رواه البخاري (6131)، ومسلم (2591).

(2) رواه مسلم (1480).

(3) مقدمة كتاب المجروحين (18).

(4) الكفاية في أصول علم الرواية (40).

(5) مقدمة كتاب المجروحين (21).

(6)  ينظر: الكفاية للخطيب البغدادي، ص(40).

(7)  رواه مسلم (2589).

 



بحث عن بحث