أهمية الحديث الموضوعي وأهداف البحث فيه(1-2)

 

 

أولاً: أهمية الحديث الموضوعي:

هذا اللون من الدراسات الحديثية جد نافع, وخاصة في عصرنا الذي أفلست فيه الحضارات المادية, والمذاهب البشرية في حلّ مشكلات البشر وسد الفراغ الذي تعيشه معظم المجتمعات البشرية, لأنها ابتعدت عن هدي القرآن الكريم والسنة النبوية  وعدالة الإسلام.

وتتجلى أهمية الحديث الموضوعي في عدة أمور منها:

أولاً: أن الدراسة النموذجية فيه: هي الاستقصاء في جمع النصوص المتعلقة بموضوع واحد –على قدر الوسع والطاقة- وفق منهج يجمع كل متعلقاتها, فيكون هذا الموضوع متكاملاً من حيث جمع رواياته وبذلك:

1- يرد متشابه تلك النصوص إلى محكمها, ويحمل مطلقها على مقيدها, ويفسر عامها بخاصها, ببعض ،يقول الإمام أحمد: (إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه, والحديث يفسر بعضه بعضاً) (1) .

2- ويتبين أيضا –من خلال الاستقصاء- الصحيح من السقيم من هذه النصوص, وكذلك الشاذ والمنكر, وغير ذلك من العلل التي قد ترد على الأحاديث, وهذا لا يتم إلا من خلال جمع الروايات للحديث أو للأحاديث.

ثانياً: أن الدراسة الموضوعية تحقق مطلباً عظيماً, ألا وهو تكامل فقه الحديث, الذي هو الثمرة من دراسته, فالعبادات الشرعية كالطهارة, والصلاة وغيرها, يجب أن نتعلمها بأركانها وواجباتها وأحكامها وشرائطها, حتى نقيمها على أكمل وجه, ولا يتسنى ذلك إلا بجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد, فأحاديث الصلاة مثلاً: متفاوتة فيما تحمله من أحكام, فبعضها فيه صفتها مقتصرة على الأركان والواجبات, وبعضها تذكر شيئاً من السنن وأخرى تبين حكماً يتعلق بالصلاة كالسهو والشك..وهكذا.

ثالثاً: في الدراسات الموضوعية للأحاديث, تبرز لنا  مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه, وما تميّز به من جوامع الكلم, وتتجلى أمامنا هذه الخصيصة والمزية بوضوح, وكذلك عندما نجمع أحاديث في صفاته صلى الله عليه وسلم  وخُلقه تتبين لنا هذه الصفات بكل أبعادها وثمارها.

رابعاً: دارس الحديث الموضوعي لا يبدأ عمله من النص, بل من واقع الحياة فيركّز نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقدية, أو الاجتماعية, أو الفقهية أو غيرها ويستوعب جميع ما أثير حول هذا الموضوع من إشكالات, ثم يطرح هذا الموضوع بين يديّ النصوص الحديثية, فهو يبدأ عمله من الحياة والواقع, ليستنبط منه القضية, ثم ينتهي إلى الشريعة –وذلك من خلال نصوص الكتاب والسنة- في مقام التعرف على حكم هذا الواقع.

خامساً: إثراء المعلومات حول قضية معينة, فوقائع الحياة تتكاثر, وتتجدد باستمرار, وتتولد ميادين جديدة وقضايا ونوازل مستجدة على الساحة وغالباً ما يُطرح موضوع أو قضية أو مشكلة للبحث ويبقى أيٌّ من ذلك محتاجاً إلى إشباع البحث ومزيد الدراسة, ويتم تحقيق ذلك من خلال قواعد شرعية عامة, ورؤى مستفيضة, وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة, فيخلصوا بحكم لهذه القضايا والنوازل.

سادساً: إن تجدد حاجة البشرية, وبروز أفكار جديدة, وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ولا رؤية الحلول لها إلا بالدراسة الموضوعية للقرآن والسنّة, إذ عندما نجابه بنظرة جديدة أو علم مستحدث فإننا لا نقدر على تحديد الموقف من هذا العلم وتلك النظرية وحل المشكلة القائمة, وبيان بطلان مذهب إلا عن طريق تتبع نصوص الكتاب والسنة, وبذلك يتمكن الباحث من القيام بدور اجتهادي للتوصل إلى تنظير أصول هذا الموضوع, وعلى ضوء هدايات الكتاب والسنة نستطيع معالجة أي موضوع يجدّ في الساحة العلمية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 

(1) لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي2/315.

 



بحث عن بحث