المبحث الثامن ( 2-3) (عجب الذنب)

 

   حين قدمت رسالتي هذه للمناقشة لم أكن قد وقفت على ما يفيد في دراسة هذه القضية، وفي أوائل سنة 1413هـ، وحين تيسر لي طبع هذه الرسالة، راجعت هذه المسألة، فوقفت على بحث للدكتور عثمان جيلان ــ من كلية الطب بجامعة صنعاء قدمه للمؤتمر السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنه، المنعقد في دبي بالإمارات العربية، من 1- 3 صفر عام 1425هـ، وأورد في بحثه هذا حديث أبي هريرة، الذي سبق تخريجه، وذكر القضايا الثلاث التي نص عليها الحديث ثم قال: وفي بحثنا هذا وبتوفيق من الله تعالي الحميد المجيد جمعنا ما يثبت تلك الحقائق السابقة الذكر من خلال ما جاء به الطب الحديث وما توصل إليه العلم من اكتشافات طبية تدل على صدق  كل ما قاله المصطفي صلى الله عليه وسلم مصداقاً لما وعدنا الله به « سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ » وسوف نشرح بمشيئة الله كل عنصر من العناصر الثلاثة السابقة على حده ونأتي بالأدلة العلمية على صدق ذلك « وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ».

   وبدأ بقضية (منه خلق) فقال: لقد أخبرنا المصطفي صلى الله عليه وسلم أن أول ما يخلق في الإنسان هو عجب الذنب وبمعني آخر أن أول ما يخلق ويتكون في الجنين هو عجب الذنب وبعد ذلك يتكون منه الإنسان وجميع أعضاؤه وأنسجته ولقد ثبت في كتب الأجنة أن أول ما يخلق في الإنسان هو عجب الذنب في مراحل الجنين المبكرة وبعد ذلك تخلق منه جميع أنسجة أعضاء الجنين وبعد ذلك يتراجع إلي الوراء ويصغر حجمه ويستقر في منطقة العصعص.

فمتى يتكون عجب الذنب في الجنين؟ وكيف يخلق منه جميع أعضاء وأنسجة الجنين؟ ومتى يحدث له تراجع ويستقر في منطقة العصعص؟.

وللإجابة على ذلك تعالوا بنا نتابع تطور الجنين في الإنسان حتى نصل إلي مرحلة تكوين عجب الذنب ونتابع كذلك كيفية خلق الإنسان منه واستقراره بعد ذلك في منطقة العصعص ليكون عجب الذنب الذي أخبر عنه المصطفي صلى الله عليه وسلم والذي سيركب الخلق منه يوم القيامة.

   ثم أخذ يفصل القول في ذلك من الناحية الطبية , ثم لخص ذلك فقال: بعد تكوين وخلق الجنين من الخيط الأولي والعقدة الأولية يتراجعان ويستقران في العصعص في أخر فقرة منه وتبقى خلايا الخيط الأولي والعقدة الأولية في العصعص محتفظة بخصائصها ومقدرتها الكلية الشاملة وإذا حدث لها مؤثر ونمت مرة أخرى فأنها تنمو مكونة ورماً مسخياً يشبه الجنين المشوه وتخرج بعض الأعضاء من الورم (قدم أو يد) بأصابع وأظافر ووجود هذه الخلايا في منطقة العصعص لكي تحفظ البدأه البشرية ويمكن الاستدلال بهذا على صحة الحديث الشريف الذي يقول أن الإنسان يركب من عجب الذنب يوم القيامة فمنطقة عجب الذنب تحتوي على خلايا الخيط الأولي والعقدة الأولية وهي ذات مقدرة شامله كليه بحيث لو نمت خلية واحدة فأنها تنمو نمواً مثل نمو الجنين  حيث تبدأ في تكوين الطبقات الثلاث الأولية (الأكتودرم والميزودرم والأندودرم) تماماً مثل نمو الجنين وينمو مكوناً ورماً مسخياً يشبه الجنين بحيث تبرز بعض الأعضاء كالقدم واليد. والأعضاء الباقية تكون داخل الورم بحيث عندما يفتح الجراح الورم بعد استئصاله فيجد الجراح الأعضاء الباقية والأجهزة داخل الورم (الأمعاء والأسنان والعظام والشعر والأعصاب والغدد...الخ) وهذا يستدل به على إمكانية إعادة تركيبه يوم القيامة من أعجب الذنب (العصعص) الذي يحوي خلايا الخيط الأولي والعقدة الأولية ذات المقدرة الشاملة.

   ثم تكلم عن خصائص (الخيط الأولي والعقدة الأولية) التي في عجب الذنب , فقال: عندما يحدث تلقيح للبويضة بحيوان منوي ويتكون الزيجوت فإن الزيجوت ينقسم عدة مرات ويمر الجنين بمراحل  انقسام وتكاثر حتى يصبح الجنين عبارة عن قرص مكون من طبقتين ظهرية تسمى الإبيبلاست وداخلية تسمى الهيبوبلاست وإلى اليوم الرابع عشر والجنين عبارة عن قرص مكون من طبقتين ليس بها أي تمايز أو صفات مميزة. ما الذي يجعل هذه الخلايا الغير مميزة والمتشابهة تكون أجهزة مختلفة (جهاز هضمي،جهاز عصبي...الخ) ما الذي يوجهها وينظمها ويجعلها تتخلق إلى أنواع عديدة مختلفة من الخلايا لكل منها وظيفة معينة بحيث تكون في مجموعها الجسم الإنساني.

   إن الذي يقوم بهذا التخليق والتنظيم لجميع خلايا الجنين هو الخيط الأولي والعقدة الأولية وقبل أن يتكونا لم يكن هناك أي تمايز أو تحديد لمصير خلايا الجنين فقط عبارة عن طبقتين لكن بمجرد ظهور الخيط الأولي والعقدة الأولية يعرف أولاً أن مكان ظهورهما هو مؤخرة الجنين ويبدأ الخيط الأولي والعقدة الأولية في تنظيم وتخليق أعضاء وأجهزة الجنين حيث تبدأ خلايا طبقة الأيبيبلاست الظهرية للجنين للتحرك والنزوح نحو الخيط الأولي والعقدة الأولية حيث تدخل وتنغرس فيه وهو بدورة يوجهها إلى مصيرها ويتغير شكلها ويعطيها التعليمات لتخليق طبقات الجنين الأولية (الميزودرم،الأكتودرم،الأندودرم) ويوجه بعضها لتخليق الجهاز العصبي من خلال مرورها عبر العقدة الأولية ولقد أهتم علماء وباحثوا الأجنة بهذه الظاهرة وقاموا بتجارب عديدة لمعرفة كيفية حدوث هذا التنظيم والتخليق وقاموا بالتجارب خاصة على الخيط الأولي والعقدة الأولية لمعرفة الآلية التي يقوم بها الخيط الأولي لتنظيم خلق الجنين من خلايا أولية بدائية.

   ومن أهم العلماء العالم الالماني   الشهير (هانس سبيمان) حيث قام بدراسات وتجارب على الخيط الأولي والعقدة الأولية وأكتشف أن الخيط الأولي والعقدة الأولية هما اللذان ينظمان خلق الجنين وأطلق عليهما أسم (المنظم الأولي أو المخلق الأولي) (Primary Organizer) وقام بقطع هذا الجزء (الخيط الأولي والعقدة الأولية) وزرعه في جنين أخر في المراحل الجنينية المبكرة في الأسبوع الثالث والرابع فأدى ذلك إلى نمو جنين ثانوي من هذه القطعة المزروعة في الجنين المضيف حيث تقوم هذه القطعة المزروعة بالتأثير على البيئة التي حولها والمكونة من خلايا الجنين المضيف بحيث تؤثر عليها وتنظمها ويتخلق منها جنين ثانوي مغروساً في جسد الجنين المضيف.

   وقد بدأ العالم الألماني تجاربه على البرمائيات بحيث قام بأخذ المنظم الأولي (فتحت المعي الخلفي) وزرعه في جنين أخر أدى إلى نمو جنين ثانوي.

   والزراعة تكون بقطع المنظم الأولي (الخيط الاولي والعقدة الأولية) ووضعه في جنين أخر في نفس العمر وتحت طبقة الإبيبلاست فيؤدي ذالك إلى نمو محور  جنين ثانوي ولقد قام العالم الألماني (سبيمان) عام 1931م بسحق المنظم الأولي وزرعه مرة أخرى فلم يؤثر السحق حيث نما مرة أخرى وكون محورا جنينياً ثانوياً رغم سحقه ولم تتأثر خلاياه وفي عام 1933م قام هذا العالم وعلماء آخرون بغلي المنظم الأولي وزراعته بعد غليه فشاهدوا أنه يؤدي إلى نمو محور  جنين ثانوي بعد غليه ولم تتأثر خلاياه بالغليان ولقد نال العالم الألماني (سبيمان) جائزة نوبل عام 1935م على اكتشافه للمنظم الأولي.

   ثم قال: وكما أسلفنا أن العالم الألماني سبيمان هو الذي أطلق على هذا الجزء اسم المنظم الأولي أو المخلق الأولي للعظام، وقد قام بعملية زرعه في جنين آخر فأنتجت جنيناً ثانوياً وفي عام 1931م قام بسحقه وزراعته بعد سحقه فلا حظ انه لازال يؤدي إلي نمو محور جنيني ثانوي، وفي عام 1933م قام بغليه وزراعته بعد غليه فأدي إلي نمو جنين ثانوي ولم يتأثر بالغليان.

   وأخيراً في رمضان 1424هـ قمنا بتجربة على العصعص حيث قمنا بالتعاون مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني وفي منزله في صنعاء وتحت تصوير تلفزيوني قمنا بأخذ أحد فقرتين لخمس عصاعص للأغنام وقمنا بإحراقها بمسدس غاز فوق أحجار ولمدة عشرة دقائق (حتى احمرت وتأكدنا من إحراقها التام بحيث أصبحت حمراء وبعد ذلك أصبحت سوداء متفحمة فوضعنا القطع في علب معقمة وأعطيناها لأشهر مختبر في صنعاء (مختبر العولقي) وقام الدكتور/ صالح العولقى  أستاذ علم الأنسجة والأمراض في جامعة صنعاء بفحصها نسيجيا وكانت النتيجة مبهرة حيث وجد خلايا عظمة العصعص لم تتأثر ولازالت حية وكأنها لم تحرق (فقط احترقت العضلات والأنسجة الدهنية وخلايا نخاع العظم المصنعة للدم. أما خلايا عظمة العصعص فلم تتأثر. اهـ.

   ثم لخص ما تقدم في النقاط التالية:

  1 - إذا حدث مؤثر على العصعص وحدث نمو سرطاني في العصعص فإن الخلايا الموجودة فيه والتي مصدرها الخيط الأولي والعقدة الأولية تنمو نمواً يشبه نمو الجنين بحيث يخرج عضو (يد قدم). وهذا يستدل على إمكانية إعادة تركيبه يوم القيامة كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

  2 - وكذلك زراعة المنظم الأولي والخيط الأولي والعقدة الأولية في جنين آخر ونمو جنين ثانوي يستدل على إمكانية إعادة تركيبه يوم القيامة.

  3 -  عدم تأثر الخيط الأولي والعقدة الأولية (المنظم الأولي) بالسحق والغليان يمكننا أن نستدل على قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبلي).

  4 - وكذلك إحراق العصعص وعدم تأثر خلاياه وبقاءها حية نستدل على صدق قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبليى).

 



بحث عن بحث