العلم يعصم صاحبه من الزلل

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،

ففي هذه الحلقة نبين:  أن العلم يعصم صاحبه من الزلل ويحفظ من الفتن:

ثالثهما: العلم هو العاصم من الزلل والحافظ من الفتن:

العلم يعصم صاحبه من الزلل، ويصونه من الفتن، ويحميه من الفشل، وأوضح دليل على ذلك قوم قارون، قال تعالى: ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79)وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ) [القصص : 79 – 80].

فالآيتان تصوران حال فريقين: فريق همته دنية ينظر إلى عاجل الأمور وظواهر الأشياء، فالحظ العظيم عندهم نعيم الدنيا وزينتها، ولا نظر عندهم إلى ما عند الله من خير وفضل، وإن همةً جعلت هذا غاية مرادها، ومنتهى مطلبها لمن أدنى الهمم وأسفلها، وأدناها، وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية، والمطالب الغالية.

أما الفريق الآخر فقد عرفوا - بفضل العلم - حقائق الأشياء، ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر أولئك إلى ظاهرها، ومن ثم أدركوا أن ثواب الله وما عنده من فضل وخير مما تمنوا، فهذه حقيقة الأمر، ولكن ما كل من يعلم ذلك يقبل عليه، فما يلقى ذلك ويوفق له: ( إِلَّا الصَّابِرُونَ ) الذين صبروا على جواذب الدنيا وشهواتها أن تشغلهم عن ربهم، وأن تحول بينهم وبين ما خلقوا له، فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب الله على الدنيا الفانية(1)

ويوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أثر العلم في صيانة المجتمع من التفكك فيقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالـمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»(2).

وموطن الشاهد من الحديث أن غياب العلم عن ساحة الناس بغياب حملته إيذان بحلول الفوضى والاضطراب، حيث يكون البديل –وقتئذ- جهّال يفتون بغير علم، فيضلون بأنفسهم، ويضلون غيرهم.

لذا يقول الحسن البصري رضي الله عنه : «العامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبًا لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا تضروا بالعلم، فإن قومًا طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا»(3).

ولعل ألصق الأمثلة بهذه المسألة ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم على صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن، يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية»(4)

وفي رواية أخرى في شأن هؤلاء القوم أيضًا: «يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان»(5)

وما طوائف البغي - في عصرنا - الذين يسفكون الدماء ويقتلون الأبرياء ويخرجون على ولاة الأمور ببعيدين عن هؤلاء.

من أجل هذا – وغيره - كانت توجيهات الإسلام إلى ضرورة طلب العلم، والحرص على الاستكثار منه، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»(6)، وعن سفيان ابن عيينة قال لأصحابه: «من أحوج الناس إلى طلب العلم؟ قالوا: قل يا أبا محمد قال: ليس أحدًا أحوج إلى طلب العلم من العالم، لأنه ليس الجهل بأحد أقبح من العالم»(7)

والآيات والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة، وقد أفرد الإمام ابن القيم في مقدمة كتابه: «مفتاح دار السعادة» عددًا من الصفحات للحديث عن فضل العلم وأهله وعموم الحاجة إليه، وذلك من وجوه وصلت عنده إلى أكثر من مائة وخمسين وجهًا. رحمه الله رحمة واسعة.

وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان:  أن العمل بمقتضى العلم مطلب أساس في الداعية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


(1) انظر: تفسير السعدي: ص:(574).

(2) أخرجه البخاري: (1/36رقم100)، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، ومسلم: (4/2058رقم2673)، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون.

(3) جامع بيان العلم وفضله: (1/ 164).

(4) أخرجه البخاري: (9/198رقم7562)، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، ومسلم: (2/740رقم1063)، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

(5) أخرجه البخاري: (4/167رقم3344)، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله عز وجل: ﴿وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية﴾، ومسلم: (2/741رقم1064)، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

(6) أخرجه البخاري: (1/27رقم71)، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ومسلم: (2/718رقم1037)، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة.

(7) تقريب كتاب الفقيه والمتفقه: ص: (304).

 



بحث عن بحث