أعدّوا أولادكم لما تأملون

 

في كل مرة يُرزق الوالدين بمولود جديد تُعقد الآمال بهذا المولود أن يكون .. ويكون .. ويتفرس فيه كل ناظر من قريب وصديق أنه سيكون .. ويكون .. .

ويكبر هذا المولود كغيره من الأطفال ، ويَشبّ ويشتد عوده دون كبير فارق عن أترابه.

فليست الآمال وحدها كافية لتحقيق ما نطمح إليه ونرجوه في أولادنا ؛ بل لابد من إعدادهم وتربيتهم وتوجيههم نحو ما نصبوا إليه من الخير لهم.

ولو تأملنا هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وطالعنا سيرته لوجدنا من ذلك الكثير ؛ فهاهو صلى الله عليه وسلم بجانب رحمته وحبه للصغار يحرص على إعدادهم ليكونوا كبارا  بأعمالهم قبل أقوالهم ؛ انظر إلى تربيته لحبر هذه الأمة ابن عباس رضي الله عنه واستمع إلى كلماته العظيمة التي أوصاه بها قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)(1).

وكان صلى الله عليه وسلم يربي ابن عباس على التعبد لله تعالى ومن أجل العبادات قيام الليل ؛ إذ فيه تهذيب عجيب للنفوس وإصلاح لها ، فإذا كانت ليلة أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها أقبل ابن عباس رضي الله عنها فبات في بيتها؛ فعنه رضي الله عنه : أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي خالته قال فاضطجعت على عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم  فجلس فمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر آيات خواتيم سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي

 قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها بيده فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح(2).

وفي أحد تلك الليالي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بـقوله "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل".

ومنه أيضاً تأديب الصغار بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك(3)، وهذا مستفاد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم  بالفارسية ( كخ كخ أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة )(4)، وفيه : حمل الصبيان وتدريبهم على الشرائع ، والتجنب بهم الحرام والمكروه ، ...ومخاطبتهم بما يخاطب به الكبار الفهماء إذا فهموا(5).

وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعدّون أولادهم لما يأملون منهم ؛  فيعلمونهم القرآن وشرائع الإسلام، و يحملونهم على العبادة من  صلاة وصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها  : أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار ( من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم ) . قالت فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار(6)

هذا في صوم عاشوراء فكيف بصوم شهر رمضان !

فليعدّ كل منا ولده كما يحب أن يكون وليجتهد في هذا الشهر الكريم شهر رمضان بالدعاء له وتشجيعه وحمله على العبادة من صوم وصلاة وقيام وقراءة قرآن

وتذكر: كلما عظُمت آمالك في ولدك عظُمت همتك في تعليمه وإعداده

بقلم

د. إلهام الجابري

 


(1) أخرجه الترمذي ح2516-4/667 وقال حسن صحيح، وصححه الألباني .

(2) أخرجه البخاري أبواب التهجد وقيام الليل ح1140-1/401 .

(3) مقتطع من كلام الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث الآتي انظر فتح الباري 3/355 .

(4) أخرجه البخاري باب من تكلم بالفارسية ح2907-3/1118، ومسلم باب تحريم الزكاة على رسول الله ح2522-3/117.

(5) شرح صحيح البخاري لابن بطال ك الجهاد 5/232 بتصرف يسير.

(6) أخرجه البخاري ك الصيام ح1859-2/692 ، ومسلم ح1136 ، والعهن الصوف المصبوغ .

 



بحث عن بحث