النبي صلى الله عليه وسلم  مع أصهاره(6-6)

 

 

مع عثمان رضي الله عنه (3-3):

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم  قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم  جالس على القبر قال فرأيت عيناه تدمعان قال فقال (هل منكم رجل لم يقارف الليلة) . فقال أبو طلحة أنا قال (فانزل) . قال فنزل في قبرها(1) .

قال العلامة ابن بطال رحمه الله:[ودلَّ سكوت عثمان وتركه المُشاحة فى إلحاد أهله أنه قد كان قارف تلك الليلة بعض خدمه، لأنه لو لم يقارف لقال: أنا لم أقارف فأَتَولّى إلحاد أهلي، بل كان يحتسب خدمته في ذلك من أزكى أعماله عند الله، وكان أولى من أبي طلحة لو ساواه في ترك المقارفة.

فأراد (صلى الله عليه وسلم ) أن يمنعه إلحادها حين لم يمنعه حزنه بموت ابنة رسول الله، وانقطاع صهره منه، عن المقارفة تلك الليلة على طراوة حزنه وحادث مصابه لمن لا عوض منها، وقد قال (صلى الله عليه وسلم ): (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي). رواه عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأبو رافع ، والمسور ، كلهم عن النبي (صلى الله عليه وسلم )، ذكرها كلها الطبري . فعاقبه (صلى الله عليه وسلم ) بأن حرمه هذه الفضيلة، وكان عثمان كثير الخدم والمال، وفيه فضل عثمان وإيثاره الصدق حتى لم يَدَّعِ تلك الليلة ترك المقارفة، وإن كان عليه بعض الغضاضة في إلحاد غيره لزوجته(2) ].

وقد ذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يغار لبناته غيرة شديدة، وكان لا ينكح بناته على ضرة(3) .

ومع نقل العلماء لقول ابن بطال رحمه الله أجابوا عنه بعدة أجوبة منها:

- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:[وحكى عن الطحاوي أنه قال لم يقارف تصحيف والصواب لم يقاول أي لم ينازع غيره الكلام لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء وتعقب بأنه تغليط للثقة بغير مستند وكأنه استبعد أن يقع لعثمان ذلك لحرصه على مراعاة الخاطر الشريف ويجاب عنه باحتمال أن يكون مرض المرأة طال واحتاج عثمان إلى الوقاع ولم يظن عثمان أنها تموت تلك الليلة وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها بل ولا حين احتضارها والعلم عند الله تعالى(4) ].

وبنحوه قال العلامة السندي رحمه الله :[قوله : (لم يقارف الليلة) أي : لم يجامع قيل قال ذلك تعريضاً بعثمان فإنه جامع تلك الليلة، فلم يستحسنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما فيه من الغفلة عن حال أهل البيت مع أنها من بناته صلى الله تعالى عليه وسلم ومقتضاه شدّة الاهتمام بأمرها، ثم قيل لعل وقوع مثل هذا من عثمان لعذر في ذلك إذ يحتمل أنه طال مرضها فاحتاج إلى الوقاع ، ولم يكن يظن أنها تموت تلك الليلة وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها أو بعد احتضارها والله تعالى أعلم(5) ].

- وقال العلامة ابن كثير رحمه الله: [وثبت في الحديث أيضاً أنه عليه السلام لما صلى عليها وأراد دفنها قال: " لا يدخله أحد قارف الليلة أهله " فامتنع زوجها عثمان لذلك، ودفنها أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه .

ويحتمل أنه أراد بهذا الكلام من كان يتولى ذلك ممن يتبرع بالحفر والدفن من الصحابة كأبي عبيدة وأبى طلحة ومن شابههم، فقال: " لا يدخل قبرها إلا من لم يقارف أهله من هؤلاء "، إذ يبعد أن عثمان كان عنده غير أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا بعيد.والله أعلم ](6) .

وقال في موضع آخر: [وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان " وفى رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " لو كن عشرا لزوجتهن عثمان "(7) .]

ولا يخفى حبّ النبي صلى الله عليه وسلم  لعثمان رضي الله عنه الذي شَرّف بتزويجه لابنتيه ولم يسبق لأحد من الناس أبداً أن تزوج ابنتي نبي غيره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم  يعلم فضل عثمان ويُدرك حبه لزوجه وإن حصل منه ما حصل فلأجل بشريته وحاجاتها، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم  من عدة طرق حينما رأى حزن عثمان على فراق زوجه «لو كانت عندنا ثالثة لزوجناكها يا عثمان(8) ».

وقال: " ألا أبا أيم أو أخاها يزوِّج عثمان فلو كانت عندنا ثالثة لزوجناه(9) ".


(1)  أخرجه البخاري باب قال النبي صلى الله عليه وسلم  لا تقتل نفس ظلماً ...ح1225-1/432.

(2) شرح صحيح البخاري لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي 3/329. وقد نقل قوله هذا عدد من المؤرخين.

(3) السيرة النبوية لابن إسحاق بسنده عمن لا يتهم 1/89 .

(4) فتح الباري 3/158و159.

(5) حاشية السندى على صحيح البخارى المؤلف / محمد بن عبد الهادي السندي المدني 1/191 .

(6)  السيرة النبوية لابن كثير 4/74.

(7)  السيرة النبوية لابن كثير 4/611 .

(8)  أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/56 وغيره وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/83: إسناده حسن لما له من شواهد.

(9)  أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 39/46 .

 



بحث عن بحث