لمـاذا المحرم للمرأة ؟!

وتذكرت قصة فتاتي مدين :

(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ . قَالَتْ : إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)
" إنها تمشي مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال ، ( على استحياء ) في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء . جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله، يحكيه القرآن بقوله: ( إن أبي يدعوك )، ومع الحياء الإبانة والدقة والوضوح، لا التلجلج والتعثر والربكة ،وذلك كذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة.فالفتاة القويمة تستحيي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب، ولا تزيد، قال ابن كثير:

(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) أي مشي الحرائر ، كما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال :" جاءت مستترة بكم درعها" ، وقال ابن أبي حاتم : قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – :" جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها، ليست سلفع من النساء خرّاجة ولاّجة" .

 والسلفع من النساء : الجريئة السليطة " .

  فإلى الذين يضيقون ذرعاً بهذه التكاليف ، ويرون أن المحرم للمرأة قيد ثقيل وغل غليظ .

إلى الذين يريدون التحرر من الفضيلة ، والتحلل من القيم النبيلة .

إلى الهاربين الفارين من دائرة ما أمر الله به ونهى عنه ، إلى ما لم يأمر به ولما نهى عنه إليكم دعوة تأمل وتدبر فيما أمر الله به من مصالح ومفاسد ، دعوة محبة ونصح للرجوع إلى حياض الدين ومنابع الخير .

إليكم أبعث همسات قلب امرأة تبكي حال أختها المسلمة المؤلم ، حين تخلى عنها وليها القريب ، وأعرض عنها قيّمها الحبيب ، وأوكلها لنفسها ، وتركها لهواها ، وأسند إليها  أمرها ، فأصبحت تتخبط خبط عشواء ، وتتقلب بين الأهواء والآراء ، يطمع فيها المريض ، ويستغل ضعفها الحقير ، ويلعب بعواطفها اللئيم .

المرأة بدون وليها كطير مقصوص جناحيه ، كلما ارتفع وقع .

المرأة بلا محرمها فريسة سائغة ، وصيد فريد ، كلما انفرد وابتعد ، كثر صائدوه ، وزاد لاقطوه ، وقلّ مدافعوه ، وفقد حماه .

المرأة بدون وليها لقمة ساقطة ، وحلوى مكشوفة ، يسقط عليها الذباب ، ويتذوقها الذئاب .

المرأة بدون محرمها سلعة رخيصة ، وتجارة كاسدة ، يقلّ ثمنها ، ويعزّ طلبها .

المرأة بدون وليها بيت بلا أركان ، ومركب بلا ربان ، تلاطمها الرياح ، وتلعب بها الأمواج .

 

لله ما أعظم هذا الدين وما أجمله ، حيث عنى بالمرأة وكرمها ، وصانها وحفظها ، ومن أعظم ما كرمها به هو جعل الرجل قيّم عليها ، قال تعالى  (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) .

 

 

   وإني امرأة من النساء ، لا أخفيكم سراً إني ما خالفت وليّ في أمر إلا ندمت عليه ، لأني اكتشف أن الأمر الذي يراه هو أفضل من رأيّ .

وما انفردت عنه بأمر إلا تبين لي خطئه بعد حين .

وما أشار عليّ بأمر فلم آخذ به إلا فاتني خير عظيم .

 وأن وجود محرمي معي عز أفتخر به ، وشرف أناله ، وتكريم يحفني .

ذكرت قريبة لي قصة حجها مع ابنها البار ، وأخذت تسرد لي الأحداث ، وكانت تفخر بابنها وما كان يفعله معها في الحج من تفاني وبذل ، وكانت تصف المواقف التي تمر بها، وكيف أنها كانت وابنتها كالأميرات – هكذا عبّرت – يجلسا جانباً وابنها وصديقه يرتبا لهما ويعدا لهما كل ما يحتجنه، من مكان وطعام ، وينظما لهما الرحلة بتخطيط موفق وتنظيم دقيق ، ويسلكا بهما الطرق المختصرة ، فكانت رحلة ميسرة مباركة موفقة ، بفضل هذا المحرم الصالح ، والابن البار .

 

هذه لفتة مختصرة عن المحرم في حياة المرأة ، والمرأة في حياة المحرم، تشريع عادل ،وتكريم فاضل ، وحياة هانئة مستقرة .

أخيراً أذكّر بقوله تعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " .

هذا حكم الله عز وجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا حكم لأحد بعد ذلك ، ولا معقب لأحدهما .

  

د/ أميرة بنت علي الصاعدي

أستاذ مساعد بجامعة أم القرى



بحث عن بحث