الحيـــــــاء

اسم الله الحيي الستير سبحانه جل جلاله (24-32)

 

الستر الحقيقي هو ستر الله الستير, ولو شاء الله أن يهتك ستر عبد لهتكه بأبسط أمر يتوقعه العبد لو رؤيا في المنام تفضحه بعمله.

تأمل في هذه القصة: روى ابن الجوزي عن بعض خدم المعتضد ونقلها ابن كثير في البداية والنهاية قال: كان المعتضد يوماً نائماً وقت القائلة ونحن حول سريره فاستيقظ مذعوراً فصرخ بنا، فجئنا إليه فقال: ويحكم اذهبوا إلى دجلة فأول سفينة تجدونها فارغة منحدرة فأتوني بملاحها واحتفظوا بها. فذهبنا سراعاً فوجدنا ملاّحاً في سفينة فارغة منحدراً فأتينا به للخليفة. فلما رأى الملاح الخليفة كاد يتلف، فصاح به الخليفة صيحة عظيمة فكادت روح الملاح تخرج فقال له الخليفة: ويحك أصدقني عن قصتك مع المرأة التي قتلتها اليوم وإلا ضربت عنقك. قال: فتلعثم . ثم قال: نعم يا أمير المؤمنين، كنت اليوم سَحَراً في سفينتي، فنزلت امرأة لم أر مثلها وعليها ثياب فاخرة وحلي كثيرة وجواهر. فطمعت فيها واحتلتُ عليها حتى سددتُ فاها وغرَّقتها وأخذتُ جميع ما كان عليها من الحلي والثياب، وخشيت أن أرجع به إلى منزلي فيشتهر خبرها، فأردت الذهاب إلى واسط، فلقيني هؤلاء الخدم فأخذوني. فقال له: وأين حليها؟ فقال: في صدر السفينة فأمر الخليفة بإحضار الحلي، فجيء به فإذا هو حلي كثير يساوي أموالاً كثيرة، فأمر الخليفة بتغريق الملاح في المكان الذي غرّق فيه المرأة وسُلِّم الحلي إلى أهل المرأة. فقال أحد الخدم للمعتضد: يا أمير المؤمنين من أين علمت هذا ؟ قال: رأيت في نومي تلك الساعة شيخاً أبيض الرأس واللحية والثياب وهو ينادي: يا أحمد يا أحمد خذ أول ملاح ينحدر الساعة فاقبض عليه وقرره عن خبر المرأة التي قتلها اليوم وسلبها فأتم عليه الحد. فكان ما شاهدتم(1)

ومع هذا إلا أن الله يستر عبده ولا يهتك ستره من أول مرة؛ لأن الرب جميل الستر فهذا عمر بن الخطاب جِيء له بغلام قد سرق فجاءت أم الغلام لعمر تقول: يا أمير المؤمنين إن ابني هذا لم يسرق في حياته وإنها المرة الأولى التي يسرق فيها. فقال عمر كلا والله ليست بالأولى. اذهبوا فسلوه أهي المرة الأولى التي يسرق فيها ؟ فلما سألوه أجابهم فقال: بل هي الثالثة والعشرين فقال عمر: والله ما كان الله ليهتك ستر عبده من أول مرة.

فمن كمال رحمة الله بعباده ستره لهم (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى:25). وقال (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30).

يتبع في الحلقة القادمة الستر على المسلم وما يجب تجاهه


(1) البداية والنهاية لابن كثير 14/702-703

 



بحث عن بحث