الحيـــــــاء

اسم الله الحيي الستير سبحانه جل جلاله(13-32)

 

ولذا فإن الحياء نوعان:

أ) حياء غريزي جبلة، غير مكتسب وهو من أجلّ الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها، ولذا في الحديث "الحياء لا يأتي إلا بخير"(1) ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "من استحيا اختفى ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وُقي".

ومن هذا الحياء، حياء أشج عبد القيس، فعنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن فيك لخلتين يحبهما الله عز وجل، قال : قلت: وما هما ؟ قال: الحلم والحياء، قال : قلت: أقديماً كانتا أم حديثاً ؟ قال: بل قديماً، قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما"(2)  

ومن هذا الحياء حياء البِكر ولذا جعل النبي r إذنها صمتها، ومنه الحياء من كشف العورة، وقد كان نبي الله موسى عليه السلام   رجلاً حيياً، ففي البخاري عن  أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شيء استحياءً منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده، إما برص، وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله  أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ اقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه، فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعصاه...) فذلك قوله تعالى  } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا   { (الأحزاب:69)(3) .

ب) الحياء المكتسب من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، وعلمه بخائنة الأعين

وما تخفي الصدور، فهذا من أعلى خصال الإيمان، ولذا حُكي عن بعض السلف: خفِ الله على قدر قدرته عليك، واستحِ منه على قدر قربه منك(4) .

فإذا علم العبد أن ربه يراه استحيا من ارتكاب الذنب.

فعلى العبد أن يستحي من خالقه سبحانه، فلا يراه في مقام يحب أن يفقده فيه، وإذا عظم الحياء في قلب العبد المؤمن انقبضت نفسه عن مجاهرته سبحانه بالعصيان، إذ علمه سبحانه معه في كل مكان، إذ من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله، ولذلك فإن الحياء الغريزي محمود في العبد لكونه منقبضاً به عن مجاهرة الخلق فيما ينكرونه من الفعل، لذا فإن المعاصي تُذهب الحياء.

قال ابن القيم رحمه الله:" من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصحيح "الحياء كله خير"(5)  ، والمقصود أن الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية، فلا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله، ولا باطلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل، والحامل له بذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه مطمع، وإذا رأى إبليس طلعة وجهه حيّاً وقال: فديت من لا يفلح. ومن لا حياء فيه ؛ ميت في الدنيا شقي في الآخرة. وبين الذنوب وقلة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطرفين، ومن استحيا من الله عند معصيته استحيا الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من معصيته لم يستح من عقوبته(6) ".

قال الراغب الأصفهاني: حق الإنسان إذا همّ بقبيح أن يتصور أجلّ من في نفسه حتى كأنه يراه، فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه, ولذلك لا يستحي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون، ويستحي من العالِم أكثر من الجاهل ومن الجماعة أكثر من الواحد, والأعظم والأكبر والأجل أن يستحي من الله وهذا لا يكون إلا لمن عرفه سبحانه أما من لم يعرفه فكيف يعظمه؟

يتبع أقسام الحياء عند العلامة ابن القيم رحمه الله

 


(1) سبق تخريجه .

(2)  الألباني في تخريج كتاب السنة ، وقال في إسناده صحيح على شرط الشيخين .

(3)  رواه البخاري برقم ( 3404 ) .

(4)  جامع العلوم الحكم لابن رجب.

(5)  أخرجه مسلم برقم ( 37 ) .

(6)  الداء والدواء.

 



بحث عن بحث