فقه الخلق مع النفس (6- 7)

 

الجانب الثالث/ الاهتمام بالهيئة (2)

1- الزينة، ويتعلق بها عدة أمور نجملها فيما يلي:

 

أ‌/ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائراً في منزلنا، فرأى رجلاً شعثاً، فقال ( أما كان يجد هذا ما يُسكن به رأسه ، ورأى رجلاً عليه ثياب وسخة ، فقال : أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه )(1)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من كان له شعر فيكرمه )(2).

لكن لا يبالغ الرجل في هذا الإكرام مبالغة تجعله مشابهاً للنساء ؛ إذ المبالغة في تزيين الشعر والاعتناء به هو من خصائص النساء وشأنهن ، ولهذا ورد في الحديث ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثير من الارفاه )(3)، و ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل غباً )(4)، والارفاه، والترجل هما الامتشاط، والمراد المبالغة فيه، والإكثار منه، بحيث يخرج عن الاعتدال والوسط إلى التنعم والترفه . والمقصود بذلك الرجال(5) .

ب‌/ عن ابن عمر رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  نهى عن القَزَع )(6)، والقزع حلق بعض الرأس وترك بعضه(7).

وذكر لها ابن القيم - رحمه الله- صورًا أربع قال :[ أحدها : أن يحلق من رأسه موضع من هاهنا وهاهنا ، مأخوذ من تقزع السحاب، وهو تقطعه . الثاني: أن يحلق وسطه ويترك جوانبه، كما يفعل شماسة النصارى . الثالث: أن يحلق جوانبه ويترك وسطه، كما يفعله كثير من الأوباش والسفلة. الرابع : أن يحلق مقدمه ويترك مؤخره ، وهذا كله من القزع والله علم ](8).

وقد استجدت في الوقت الحاضر صورًا أخرى للقزع .

ت‌/ عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال ( كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه )(9)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعره منكبيه )(10)، وقال أيضاً ( كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجِلاً ، ليس بالسبط، ولا الجعد، بين أذنيه وعاتقه )(11).

وهذا يدل على أن غالب أحواله صلى الله عليه وسلم أن يكون شعره بين أذنيه وعاتقه لا يتعداهما، وما زاد عن ذلك فمحمول على الحال التي يبعد عهده بتعهد شعره فيها، وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه(12).

والغرض من ذكر هذا الأمر ولوع كثير من الشباب بشعر رؤوسهم؛ زعماً منهم الاستنان بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع إهمال الاستنان بما هو آكد منه .

ث‌/ عن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنهكوا الشوارب ، واعفـوا اللحى )(13)، أنهكوا بمعنى احفوا أي قصوا ، اعفوا بمعنى اتركوا، فلا تتعرضوا لقصها(14).

ج‌/ جبل الله - سبحانه وتعالى- المرأة على حب الزينة والجمال ، وأباح لها استعمال أدوات الزينة من حلي، وكحل، وحنا، وغيرها من الأصباغ والألوان التي استحدثت في العصر الحديث، لكن ضبط هذا التزين والتجمل بضوابط يسيرة منها :

1) قال الله تعالى ( ... ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ... )(15)، ونهى سبحانه عن التبرج والسفور فقال: ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )(16)

2) أن لا يكون فيها ضرر على المرأة، ولا إضرار بغيرها، وهذه قاعدة شرعية في كل شيء.

3) أن لا تكون محرمة ، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة )(17) ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ( لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله ، ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم،  وهو ملعون في كتاب الله )(18). المتنمصات جمع متنمصة، وهي التي تطلب النماص ، والنامصة التي تفعله ، والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش ، ويقال أن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترفيعهما، أو تسويتهما . المستوصلة هي التي تطلب وصل شعرها . الواشمات جمع واشمة ، والمستوشمة هي التي تطلب الوشم، وهو غرز العضو بإبرة ونحوها حتى يسيل الدم ثم يحشى بالكحل، أو النيل، ونحوهما ، المتفلجات جمع متفلجة، وهي التي تطلب الفلج أو تصنعه ، والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه، وهو يختص عادة بالثنايا والرباعيات(19).

 

 


(1) - أخرجه أبو داود باب في غسل الثوب ...ح 4062-4/51 ، والنسائي باب تسكين الشعر ح 5236-8/183 ، وأحمد ح 14893-3/357، وابن حبان ذكر الأمر بالإحسان إلى الشعر لمربيه ح 5483-12/294 .

(2) - أخرجه أبو داود باب في إصلاح الشعر ح 4163-4/76 .

(3) - أخرجه  أبو داود باب الترجل ح 4160-4/75 ، والنسائي باب الترجل غباً ح 5239-8/185.

(4) - أخرجه أبو داود باب الترجل ح 4159-4/75، والترمذي باب النهي عن الترجل ح 1756-4/234 وقال: حسن صحيح ، والنسائي باب الترجل غباً ح 5055-8/132، وأحمد ح 16839-4/86 قال الأرناؤوط: صحيح لغيره ، رجاله ثقات رجال الشيخين لكن فيه عنعنة الحسن .

(5) - انظر فتح الباري 10 / 368 .

(6) - أخرجه البخاري ك اللباس باب القزع ح 5577-5/2214، ومسلم باب كراهة القزع ح2120-3/1675 .

(7) - انظر: فتح الباري 10/364 ، تحفة الودود بأحكام المولود ص119 .

(8) - تحفة الودود ص119 .

(9) - أخرجه البخاري ك المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ح3551 -6/565 .

(10) - أخرجه البخاري ك اللباس باب الجعد ح5903 10/356 .

(11) - أخرجه البخاري في الموضع السابق ح5904 .

(12) - انظر: فتح الباري 10 / 360 .

(13) - أخرجه البخاري ك اللباس باب إعفاء اللحى ح5893-10/351 .

(14) - انظر: فتح الباري 10/350،351 .

(15) - سورة النور آية 31 .

(16) - سورة الأحزاب آية 33 .

(17) - أخرجه البخاري ك اللباس باب الموصولة ح5940 -10 /378 ( الفتح ) .

(18) - أخرجه البخاري ك اللباس باب الموصولة ح5943 10/378 .( الفتح )

(19) - انظر: فتح الباري 10/ 372-379 . لسان العرب 2/346، 7/101 ، 11/727 .

 

 



بحث عن بحث