فقه الأخلاق – الخلق مع الله تعالى (1-9)

نبتدئ في هذا الشهر وما يليه بذكر فقه الأخلاق، وأولى من ينبغي التأدب معه هو الله سبحانه وتعالى.    

الخلق مع الله تعالى

   إن تعلم فقه الأدب مع الله تعالى أوجب الواجبات على العبد، إذ هو مناط سعادته في الدارين، وهذا يتمثل في الإيمان به سبحانه وحده، الإيمان الذي يتعدى مجرد الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى، فهذا الإيمان تتفق فيه جميع الكائنات، أما الإيمان الذي به يسعد العبد وبدونه يشقى فهو: قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية(1).

شرح التعريف:

قول باللسان: أي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذه الكلمة تشتمل على توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. فالإله هو الذي يُعرف ويًُعبد(2) وسنفرد ذكر كل واحدة منها في الورقات الآتية.

قول القلب : هو اعتقاده وتصديقه، وأما عمله فهو عبارة عن تحركه وإرادته ؛ مثل الإخلاص في العمل، وكذلك التوكل والرجاء والخوف.

عمل بالجوارح : ويشمل ذلك العبادات والمأمورات والمنهيات كلها، قال عليه الصلاة والسلام:

(الإيمان بضعة وسبعون شعبة ؛ أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)(3)، فالإيمان إذاً قول وعمل، والاقتصار على القول دون العمل إلغاء للشريعة التي جاءت بكثير من التشريعات.

والإيمان في القلب يدفع صاحبه إلى العمل بمقتضى هذا الإيمان ؛ قال الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)(4).

 قال العلامة السعدي في تفسيره لهذه الآية(5): [يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) هي شهادة أن لا إله إلا الله وفروعها، (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) هي النخلة، (أَصْلُهَا ثَابِتٌ) في الأرض، (وَفَرْعُهَا) منتشر (فِي السَّمَاءِ وهي كثيرة النفع دائماَ (تُؤْتِي أُكُلَهَا) أي ثمرتها، (كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) فكذلك شجرة الإيمان أصلها ثابت في قلب المؤمن علماً واعتقاداً، وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والأخلاق المرضية والآداب الحسنة في السماء دائماً يصعد إلى الله منه (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) المأكل والمطعم وهي شجرة الحنظل ونحوها، (اجْتُثَّتْ) هذه الشجرة (مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) أي ثبوت فلا عروق تمسكها، ولا ثمرة صالحة تنتجها، بل إن وجد فيها ثمرة فهي ثمرة خبيثة. كذلك كلمة الكفر والمعاصي ليس لها ثبوت نافع في القلب، ولا تتثمر إلا كل قول خبيث وعمل خبيث يؤذي صاحبه ولا يصعد إلى الله منه عمل صالح، ولا ينفع نفسه، ولا ينتفع به غيره].

كيف أحافظ على شجرة الإيمان قوية يانعة ؟

بأمرين يتبينان بقولنا (يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان) وبيانه ما يلي

 الأول : بتعاهد هذه الشجرة بالسقي في كل وقت بالعلم النافع، والعمل الصالح، والتذكر والتفكر.

الثاني : بتنقية هذه الشجرة من عوالق الذنوب والمعاصي والغفلة عن الآخرة بالإقلاع عن الذنب والتوبة والاستغفار وإتباعه بالأعمال الصالحة الماحية وكثرة ذكر الله تعالى

يدل على زيادة الإيمان ونقصه قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ)(7).

 


 

(1)     انظر شرح الواسطية2/230، وأعلام السنة المنشورة ص45.
(2)     انظر مجموع الفتاوى 2/6.
(3)     سبق تخريجه رقم 106.
(4)     سورة إبراهيم 24،25.
(5)     4/138.
(6)     سورة  التوبة آية 124،125.



بحث عن بحث