الآدابُ النبويةُ للسائلة (3-7)

 

 

 

2 – الحرص على التستر والاحتشام والتحلِّي بالحياء

من أعظم سمات الإيمان التي غرسها هذا الدين في النفوس؛ فضيلة الحياء، حيث جعلها شعبةً جليلةً من شعب الإيمان.

« ودافعًا إلى التعلّم والبحث في أمر الدين والتحلِّي بشعائره وما كان مانعًا له فهو الحياء المذموم » (1)

والحياء خلق أصيلٌ في المرأة المؤمنة له صفاتٌ ودلائل ظاهرة.. أبرزها اكتساء ثوب العفاف والحشمة وهو الحجاب الذي يصون طهارتها وعفّتها ونزاهتها ويحميها من النظرات الزائغة، والكلمات البذيئة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً). (2)

هذا الأدب الإلهي الرقيق الذي ربّى الإسلام عليه نساء النبي الطاهرات – أمهات المؤمنين – ورجال الصدر الأول من الصحابة الأخيار - رضوان الله عليهم - جديرٌ أن يلزمه من وراءهم من هذه الأمة التي أخرجتْ للنَّاس المثل والفضائل ومكارم الأخلاق.

ومن أروع النماذج المؤثِّرة؛ مجيءُ تلك المرأة التي ينتابها الصَّرع بين الفينة والأخرى، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بالشِّفاء العاجل لترتاح من هذا الداءِ الأليم الذي يشتد عليها فيطرحها أرضًا ويكشف عورتها أو شيئًا منها.

فيصغي لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويخيُّرها بين العافية والصبر المورثِ رضوان الله والجنة.. فتؤثر الصبرَ الجميل والظَّفَر بالجنة..

غير أن لداعي الحياء مقالاً.. وللنَّفس الأبيَّة حاجة.. لا تستغني عنها ولو كانت معذورة بالمرض.. تلك هي التمسّك بالحجاب والستر.. فاندفعت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها «أن لا تتكشف، فدعا لها ».

وحين يبلغ (الحياء) مكانته اللائقة به من شعور المؤمنة يكون لسلطانه النَّقي نفوذٌ بليغ إلى سلوكها.. فيهذبه.. ويصلحه.. ويزكيه سواء كانت في بيتها أو خارجه.. مع القريب والبعيد..

ألست تراه حقيقة ملموسة في شخصية (أم سلمة) – رضي الله عنها – بعدما فرض الحجاب وهي تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطالة ثياب النساء ووفرة ذيولهن؟، فيرخي لهن شبرًا، وتلحُّ أخرى – رغبة في مزيد من السّتر – أن يزيدهن لئلا تنكشف أقدامهن، فيُوفيهن ذراعًا لا يزدن عليه.

وإنَّك لتحِسُّ بهذه الخصلة الأصيلة في هيئة (أم سليم) - رضي الله عنها - وهي تحمل صغيرها أنسًا، قد أزرته بنصف خمارها وردّته بنصفه لضيق العيش ، وجاءت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه بمنطق لطيف وأدب جمٍّ أن يتخذه خادمًا.

إن نبل الهدف، وسموَّ الغاية التي تسعى إليها السائلة لا يُعفيها من امتثال الصِّفة الشرعية للحجاب، ولا يُسَوِّغ لها ارتكاب المخالفات والمنكرات من تطيّب، وخضوع بالقول، وجرأة ونحوه.

لذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة التي رفلت في زينةٍ لها في المسجد.

وقال: « يا أيها الناس انهوا نساؤكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد » .

وبالغ في الوعظ، فذكر حال بني إسرائيل، وأنهم «لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد ».


(1) ينظر : شرح السنة (13/ 173) .

(2) سورة الأحزاب، الآية : 53 .

 

 

 



بحث عن بحث