حديث ((يا رسول الله صلِّ عليَّ وعلى زوجي...))

 

 

عن جابر قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فنادته امرأتي: يا رسول الله صلِّ عليَّ وعلى زوجي فقال: « صلى الله عليكِ وعلى زوجكِ ».(1)

السّائلة :

هي سُهَيْمة (بضم أوله وفتح ثانيه مصغرّا) بنت مَسْعُود بن أَوْس (2) .

تزوجها ابن خالها جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام فولدت له عبد الرحمن وأم حبيب، وأسلمت سُهَيْمَةُ وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) .

وكانت موفورة العقل، عظيمة الفضل مذكورة في المبايعات للرسول صلى الله عليه وسلم، تزوجها جابر وهي ثيّب لترعى أخواته وتعنى بشأنهن وتصلح هيئاتهن (4) .

غريب الحديث :

صلِّ : قال الخطابي: الصلاة التي هي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال إلا لله جل وعلا، والتي بمعنى الدعاء تقال لغيره .

فيقال للرحمة صلاة، وصلَّى عليه الله إذا رحمه، و اللهم صلِّ على فلان معناه: الدعاء بطلب صلاة الله له ؛ وهي رحمته. كما يقال: حيَّاك الله إذا دعوت بتحية الله .

صَلَّى الإلهُ على امرئٍ ودَّعتُه           وأتمَّ نعمتَه عليــهِ وزَادها

فصلاة الله على رسوله وعباده الصالحين: رحمته لهم وحسن ثنائه عليهم. قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (5).

وصلاة الملائكة هو: دعاؤهم واستغفارهم  (6).

من فوائد الحديث :

1/ كرم خلق سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وتواضعه ورفقه، ومجيؤه إلى بيت جابر – رضي الله عنه - دليل عمليّ على عنايته بتفقد أحوال أصحابه ومخالطتهم، وإدخال السرور عليهم وملاطفتهم ومشاركتهم هموهم .

2/ مسارعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للظفر بصلاته عليهم ونيل دعوته والتشرف بها .

3/ استجابة المصطفى صلى الله عليه وسلم لنداء المرأة والدعاء لها ولزوجها بالصيغة التي طمحت إليها وهي الدعاء بصيغة الصلاة مع الدعاء لهما بالبركة .

4/ مشروعية الدعاء بلفظ الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم لمن شاء من أمته، وهذا ظاهر بدليل الكتاب (7) والسنة، ولصاحب الحق وهو محمد صلى الله عليه وسلم أن يتفضل من حقه بالدعاء لمن شاء من أمته (8).

5/ الصلاة في سؤال المرأة: « صلِّ عليَّ » بمعنى؛ الدعاء بالخير وطلب البركة، وصلاة الله عليها بمعنى نزول الرحمة واللطف .

وأما الصلاة التي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهي شعاره الذي يضاف إلى اسمه باستمرار معناها: التعظيم والتكريم والدعاء وهي خاصةٌ له، لا يشاركه فيها غيره .

فلا يقال؛ أبو بكر صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناها صحيحًا (9) .

ويقوّي المنع من الصلاة لغيره مستقلاً تجنب السلف له وأنه صنيعُ أهل الأهواء الذين جعلوا ذلك شعارًا لمن يعظّمونه من أهل البيت والغلوِّ فيهم .

وممن اختار المنع: مالك والشافعي وأبو البركات جد ابن تيمية - رحمهم الله - (10).

6/ الدعاء بلفظ الصلاة يختلف بحسب المدعو له، فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته دعاء لهم بالمغفرة والرحمة، وصلاة الأمة له دعاء له بزيادة الزلفى والمنزلة عند الله تبارك وتعالى (11).

7/ ظهور حكمة زوجة جابر – رضي الله عنهما - بالتماس رضى زوجها والتودُّد إليه بهذه الدعوة العظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم، بعد تعرضها لسخطه ومخالفة أمره وخروجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكلامها معه ،  كما في الرواية: « فلا أرينّك ولا تؤذي رسول الله .. ولا تكلّميه ».


 (1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى – واللفظ له - (6/112 ح10256) و أبو داود  (1336 ح1533) ،و ابن حبّان(3/197 ح916). و الحاكم (4/123 ح7096) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقـه الذهبي في التلخيص. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح خلا نبيح العنزي وهو: ثقة . مجمع الزوائد (4/140) .

(2) الطبقات الكبرى (8/339) .

(3) الإصابة (7/718)، أسد الغابة (6/156) .

(4) ينظر : فتح الباري (7/506) والصفحة السابقة من الفتح .

(5) سورة الأحزاب، الآية: 43 .

(6)      ينظر: معجم مقاييس اللغة (ص549)، لسان العرب (14/464)، مختار الصحاح (ص154)، والغريب لابن سلام (1/180)، مشارق الأنوار (2/56)، النهاية (3/50) .

(7) وهو قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ): 103.

(8) شرح ابن بطال (10/115)، فتح الباري (8/685) .

(9) ينظر: شـرح السنـة (3/189)، وشرح الزرقاني (1/477)، وحاشية السندي (2/25)، وعون المعبود (4/275) .

(10) مجمع الفتاوى (22/ 472)، المنهاج (4/347)، فتح الباري (الصفحة السابقة) .

(11) عمدة القاري (9/94) .

 

 

 



بحث عن بحث