بسم الله الرحمن الرحيم

وقفات تربوية مع حديث: "احفظ الله يحفظك" (4-4)

 

 قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله".

 وهذه الوصية هي كقول الله عز وجل: {واسألوا الله من فضله} أي: وحِّد الله في السؤال، فإن خزائن الوجود بيده، وأمرها إليه، لا معطي ولا مانع سواه؛ لذا يجب على المسلم ألا يسأل إلا الله عز وجل، وأن يلح في سؤاله ودعائه، فسؤال الله عزة وسؤال غيره ذلة ومهانة، لذا جاء في عدة أحاديث النهي عن مسألة المخلوقين،بل قد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعةً من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئًا، حتى كان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته، فلا يسأل أحدًا أن يناوله إياه، كما جاء في صحيح مسلم.

الوقفة التربوية:

إنه ينبغي على المربي أن يغرس في نفوس الناشئة التوكل على الله والاستعانة به في جميع الأمور، ويعلمهم ويعودهم أن يسألوا الله عز وجل في جميع حوائجهم، ويذكرهم دائمًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه، وأنه أوصانا أيضًا: "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع".

لكن قد يقال: إن هناك أمور لا بد أن يسأل فيها الناس؟

وهنا يبين لنا الإمام النووي- رحمه الله - كيف نربي أنفسنا وأولادنا أن السؤال كله ينبغي أن يكون لله عز وجل في كل الأمور كما قال صلى الله عليه وسلم، وأن يكون اعتماد القلب على الواحد الأحد القادر، فيقول رحمه الله:

" - إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي الخلق كمطلب الهداية والعلم.... وغيرها، سأل ربه ذلك.

-وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه يجريها على أيدي خلقه، كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف وولاة الأمور، سأل الله تعالى أن يعطف قلوبهم" ويسخرهم له.

فبالتالي نربي الناشئة ونعلقهم بالله عز وجل، فهو وإن كان في الظاهر سؤالنا للخلق فهو فعل سبب، ونحن في الحقيقة نسأل الله عز وجل أن يسخرهم لنا، فلا نتعلق بسؤالنا لهم بل قلوبنا معلقة بالله.

وهكذا يخرج المربي من هذه الوصية العظيمة بفوائد جمة، فكما رباهم على التعلق بالله عز وجل، وسؤاله دون سواه، فإنه ينَشِّئُ في قلوبهم العزة بالله، لأن سؤال الناس مذلة.

التطبيق:

ومثال ذلك: عند ما يقول الأب لابنه الشاب- الذي يبحث عن وظيفة مثلاً-: يا بنيّ اعلم أن الله عز وجل هو الرزاق، وأن بيده خزائن السماوات والأرض، فليكن سؤالك له وحده دون سواه، واعلم أن ما تطلبه من وظيفة يجب أن تتجه في ذلك لله وحده، نعم ما تفعله أنت الآن إنما هي أسباب، لكن الله هو الذي يفعل ما يشاء.

وكذلك تزرع الأم هذا المبدأ في نفس ابنها الصغير أيضًا، فتبيِّن له اعتزاز الصحابة بربهم فلا يطلبون ولا يسألون إلا الله حتى في الأمور الصغيرة، فالإعانة في رفع السوط أمر سهل، ومع ذلك ما سألوا أحدًا أن يعطيهم إياه.

وبالتالي تزرع في نفسه كراهة الحاجة للناس، وتبين له أن لا يطلب من أحد ما دام قادرًا على الفعل، فلا يطلب من إخوانه ولا من خادمه أن يحضر له لعبته أو ملابسه أو طعامه، بل يعتز بنفسه.

وهنا يتحقق بهذا المبدأ ترسيخ التعلق بالله تعالى، وتحقيق كمال التوحيد، وأيضًا فيه تعويد للأطفال على الاعتماد على النفس.



بحث عن بحث