آداب السفر ( 2-3)

سادسا: توديع الأهل وخاصة الوالدين:

 فعلى كل مَن يريد السفر أن يستأذن والديه قبل سفره، فإن أَذِنا سافر، وإلا ترك السفر، وبعض الشباب -هداهم الله تعالى- آخر من يخبر بسفره والديه، بل أحيانا لا يخبرهم إلا بعد وصوله مكان سفره بأيام، بينما تجده قد أخبر زملاءه وأصدقاءه قبل سفره بأيام، ويسألهم: ألكم حاجة في تلك البلدة؟ بينما والداه آخر من يعلم بذلك, وهذا نوع من العقوق المذموم.

 عن مُعَاوِيَةَ بن جَاهِمَةَ أن جاهمة -رضي الله عنه- جاء إلى رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ، فقال: ( هل لك من أُمٍّ ) ؟ قال: نعم. فقال: ( إلْزَمْهَا فإن الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا )، ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ في مَقَاعِدَ شَتَّى، كَمِثْلِ هذا الْقَوْلِ. رواه أحمد (15577)، والنسائي (3104)، وصححه الحاكم 4/167

 وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو -رضي الله عنهما- قال: جاء رَجُلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يُبَايِعُهُ قال: جِئْتُ لأُبَايِعَكَ على الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أبواي يَبْكِيَانِ. قال: (فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا فأضحكهما كما أَبْكَيْتَهُمَا )، رواه أحمد (6490)، وأبو داود(2528)، والنسائي (4163)، وصححه ابن حبان ( 419)، والحاكم 4/168.

 وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إلى رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- من الْيَمَنِ فقال: ( هل لك أَحَدٌ بِالْيَمَنِ ؟) قال: أَبَوَايَ قال ( أَذِنَا لك )؟قال: لَا. قال: ( ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لك فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا ) رواه أبو داود (2530)، وصححه ابن حبان (422)، والحاكم 2/114، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: " قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين، لأن برهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن " اهـ. فتح الباري 6/140.

  فإذا كان الإذن واجبا في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام فكيف بسفر نزهة وسياحة!.

 أمَّا كيفية التوديع فقد قال قَزَعَةُ: قال لي ابن عُمَرَ: هَلُمَّ أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعَنِي رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ( أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ ) رواه أحمد (4781)، وأبو داود (2600)، والنسائي في الكبرى(10360)، وللحديث طرق أخرى.

سابعا: أن يقول دعاء السفر:

 وهو الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اسْتَوَى على بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قال: (سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لنا هذا وما كنا له مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهم إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ ما تَرْضَى، اللهم هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللهم أنت الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ في الْأَهْلِ، اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ في الْمَالِ وَالْأَهْلِ )، وإذا رَجَعَ قَالَهُنَّ وزاد فِيهِنَّ ( آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ) رواه مسلم ( 1342).

ثامنا: أن يخرج يوم الخميس:

 لحديث كَعْبِ بن مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ يوم الْخَمِيسِ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وكان يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يوم الْخَمِيسِ. رواه البخاري(2790)، وعند أبي داود(2605) : ( قلّما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج في سفر إلا في يوم الخميس) .

تاسعاً : السنة أن يخرج باكرا

 لحديث صخر بن وداعة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: ( اللهم بارك لأمتي في بكورها، وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار )، وكان صخر تاجراً فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله، أخرجه أبو داود(2606)، والترمذي(1212)، وقال: حديث حسن.أ.هـ . والحديث فيه ضعف لجهالة الراوي عن صخر وهو عمارة بن حديد ، ولكن الحديث له شواهد أشار إليها الترمذي.

عاشراً : أن يكبر إذا صعد مرتفعا ويسبح إذا هبط واديا:

  لحديث جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال: كنا إذا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وإذا نزلنا سَبَّحْنَا. رواه البخاري (2832)، وبوَّب له ( بَاب التَّسْبِيحِ إذا هَبَطَ وَادِيًا )، وبوَّب له ثانيا ( بَاب التَّكْبِيرِ إذا عَلَا شَرَفًا ). قال أهل العلم: التكبير عند إشراف الجبال استشعار لكبرياء الله عندما تقع عليه العين من عظم خلق الله، إنه أكبر من كل شيء، وأما تسبيحه في بطون الأودية فقيل إنه مستنبط من قصة يونس -عليه السلام- وتسبيحه في بطن الحوت، قال تعالى: }فلولا أنه كان من المسبحين {، وقيل معنى التسبيح عند الهبوط: استشعار تنزيه الله تعالى عن صفات الانخفاض والضعة والنقص .

الحادي عشر: أن يكثر من الدعاء في السفر:

  فالسفر موطن من مواطن إجابة الدعاء، فعلى المسافر استغلال هذه الفرصة بالدعاء له ولوالديه وذريته وذوي رحمه والمسلمين بدعوة لعلها توافق ساعة استجابة؛ فيفوز بخيري الدنيا والآخرة، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ ، دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ) رواه أحمد (7501)، وأبو داود (1536)، وصححه ابن حبان (6629) .

 وإذا خاف المسافر أثناء سفره شيئاً من إنسان أو حيوانٍ ونحوهما؛ دعا بما رواه أبو داود عن أبى موسى -رضي الله تعالى عنه-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم-  إذا خاف قوماً قال: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) رواه أبو داود (1534) .

الثاني عشر: إذا كان المسافرون جماعة أمَّروا أحدهم وأطاعوه في غير معصية:

عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ )، رواه أبو داود ( 2608)، قال النووي: " بإسناد حسن " ا.هـ. رياض الصالحين ص 192، ولا شك أن تأمير أحدهم مما يخفف النزاع أثناء السفر، خاصة مع اختلاف الرغبات، فتجد بعضهم يرغب الوقوف هنا أو هناك ويخالفه غيره، فلا بد من أمير يُرْجَعُ إليه لرفع الخلاف .

 



بحث عن بحث