هدي الرسول  في بيته (2-2)

ومن سماته عليه الصلاة والسلام: الهدوء والاستقرار النفسي والحلم والعفو والصفح عند وقوع مشكلات طارئة تخالف منهجه، فيعمد إلى المعالجة الهادئة، حتى لا تكبر المشكلة أو تمتد أو تتفرع، فيفرح الشيطان ويفرخ، ومن ذلك أن رسول الله ﷺ كان في بيت عائشة رضي الله عنها، فأرسلت إليه إحدى زوجاته طعامًا في صحفة، فلما رأت عائشة الطعام غضبت وثارت، وضربت الصحفة فانكسرت وتناثر الطعام، فماذا فعل رسول الله ﷺ أمام هذا الحدث؟ وكيف عالج هذه الغيرة الجبلية التي في طبع النساء؟ بكل هدوء وسكينة جمع الطعام المتناثر وأخذ صحفة عائشة وأرسلها إلى تلك الزوجة صاحبة الطعام، وقال: «إناء بإناء»(1). ولكن هذا الحلم ينقلب إلى تغير وغضب إذا انتهكت حرمات الله، ومن ذلك ما حدث من عائشة رضي الله عنها، عندما وصفت إحدى زوجاته عليه الصلاة والسلام بأنها قصيرة، فقال لها: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لغيرته أو لمزجته»(2)، فذلك الهدوء النفسي انقلب إلى تأثر وغضب وانفعال، لما كان هذا الأمر يغضب الله عز وجل.

والمثال الثاني: تعامله مع الصغار، فهو تعامل العطف والشفقة والرأفة والحلم والتعليم والتربية، وغرس المعاني الخيرة والصفات الحميدة في نفوسهم، واستغلال الفرص لذلك، ومن ذلك: أن عمر بن أبي سلمة تناول الطعام مع رسول الله ﷺ، فكانت يد عمر بن أبي سلمة تطيش في الصحفة هنا وهناك ويمينًا وشمالًا، فقال له رسول الله ﷺ: «يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»(3)، فهذا الطفل الصغير ابن زوجته، ربيب رسول الله ﷺ يأكل معه، ووجد منه هذا المسلك، فلم يعنف الصغير، ولم يغلظ عليه؛ بل استعمل معه الحكمة والرفق واللين والتوجيه والترشيد، ووجّهه للآداب العالية المستقيمة.

ومن استغلاله ﷺ للفرص: أنه عندما كان راكبًا حمارًا، وكان ابن عمه عبد الله بن عباس رديفه، فطفق رسول الله ﷺ يوصيه بوصايا جامعة، فيها هدي للأمة كلها.

ومن ذلك أيضًا: تعامله مع خدمه بالرفق واللين، يقول أنس رضي الله عنه: «خدمت النبي عليه الصلاة والسلام عشر سنين فما قال لي: أُف قط، وما قال لي لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟»(4)، وكان رسول الله ﷺ من أحسن الناس خلقًا(5).

فحريٌّ بالآباء والأمهات، والمربين والمربيات، أن يستغلوا أوقاتهم جميعها في تربية أولادهم، وتنشئتهم على هدي رسول الله ﷺ، فهو القدوة والأسوة الحسنة، رزقني الله وإياكم حسن الاقتداء به، والاهتداء بهديه، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (2481، 5225).

(2) أخرجه الترمذي (2502)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5140).

(3) أخرجه البخاري (5376)، ومسلم (2022).

(4) أخرجه البخاري (6038)، ومسلم (2309).

(5) أخرجه البخاري (3549)، ومسلم (2337).



بحث عن بحث