الرسول والقرآن الكريم (1-2)

إن للقرآن الكريم في حياة الرسول ﷺ منزلة خاصة ومكانة عالية، وتزداد هذه المكانة خصوصية وتفردًا في شهر رمضان المبارك، فقد كان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن، وكان ﷺ يقرأ على أصحابه ويستقرئهم ويحثهم على القراءة، ويعقد الراية لأكثرهم حفظًا، ويُحرِّصهم على عدم تفلته منهم.

جاء في الحديث المتفق عليه أنه ﷺ كان يقول: «تعاهدوا هذا القرآن، فوا الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها»(1) فمن أهم ما يتعلق بالقرآن تعاهده ومراجعته، وتخصيص وقت يلازمه القارئ لقراءة القرآن.

إن لقراءة القرآن الكريم أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا، ويضاعف هذا الأجر ويزداد أضعافًا مضاعفة بما لا يتصوره بشر ولا يحده عقل، وذلك في رمضان، أخرج الترمذي وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف«(2).

لو أن مسلمًا أخذ مصحفه وقرأ فيه خمس دقائق، ثم حسب -إن شاء- عدد الأحرف، وضربها في عشر حسنات، ثم في سبعمائة، ثم نظر إلى ذلك الرقم الهائل للحسنات التي سيظفر بها بفضل الله في هذا الزمن اليسير مع إخلاص النية! ترى لو استغل كل منّا وقته، وخصص جزءًا منه لقراءة كتاب الله تعالى وتدبره، فلك أن تتأمل -أيها المسلم- كم من الحسنات ستنالها بإذن الله ومنِّه وكرمه، وكم من الأجر ستحصل عليه، أليس هذا دافعًا قويًّا لقراءة القرآن بتدبر وتمعن؟!

ومن فضائل كتاب الله تعالى وقراءته وتدبره: أن تلاوته من أفضل العبادات وأعظم القربات، خاصة في هذا الشهر؛ شهر الخيرات والنفحات، فالله سبحانه وتعالى رتب على قراءته وتدبره أجرًا كبيرًا وثوابًا جزيلًا، حتى إن القارئ الذي يجد مشقة وصعوبة في قراءته له أجران.

أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران«(3).

ذكر أهل العلم أن الأجرين أحدهما على القراءة، والثاني لمشقتها على القارئ، ومن عظيم فضل القرآن الكريم على أصحابه، أنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، فأي حظ وفوز أعظم من هذا الفوز يوم القيامة!!

إن هذا الأجر العظيم وغيره مما لم يذكر، يحصل بإذن الله تعالى لكل قارئ للقرآن الكريم، ما دام أنه يقرؤه بإخلاص وتجرد ورغبة ورهبة، ولكن يعظم الأجر ويزداد الثواب إذا قرأه القارئ بتدبر وخشوع وخشية وخضوع، لينتقل بعد ذلك من هذه الدائرة إلى دائرة العمل والتطبيق، والقراءة بتدبر تساعد على الوصول إلى العمل به، أما التلاوة بدون تدبر ولا فهم فلا تنفع صاحبها النفع المراد، وإذا خلت من العمل والتطبيق ضل صاحبها وأوردته الموارد، قال تعالى:

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ}(4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  أخرجه البخاري (5033)، ومسلم (791).

(2)  أخرجه الترمذي (2910)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

(3)  أخرجه مسلم (798)، وأخرج البخاري معلقًا: «الماهر بالقرآن مع الكرام البررة» في كتاب التوحيد، باب قول النبي ﷺ. وذكره، ص(1441).

(4) [طه: 123 – 126]



بحث عن بحث