هدي الرسول في الفطور والسحور (1-3)

للرسول ﷺ أحوال مع رمضان في دعائه وذكره، وقراءته وتدبره، وجوده وإحسانه، كما أن له أحوالًا مع أكله وشربه في رمضان: فطرًا وسحورًا، ولا شك أن هديه في ذلك أكمل الهدي، فيحسن بنا أن نقف على ذلك الهدي، وأن نتبع ذلك الأثر.

والسحور هي أكلة الختام في آخر الليل للصائم، ولقد اهتم بها رسول الله ﷺ ورغب في العناية بها وتعاهدها، وكان يسميها باسم حسن، كما أخرج أحمد والنسائي رحمهم الله أن رسول الله ﷺ قال: «عليكم بغداء السحور، فإنه هو الغداء المبارك«(1).

وتكرر هذا الاسم الطيب في كلام الرسول ﷺ عن السحور، فقد أخرج الشيخان وغيرهما أن رسول الله ﷺ قال: «السحور كله بركة»(2)، وكذا أخرج الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما أن النبي ﷺ قال: «السحور أكله بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين«(3).

فحريٌّ بك -أيها المسلم الصائم- أن تحرص على هذه البركة، التي تأتي – والله أعلم– من وجه كونها أكلة في وقت فاضل: وقت نزول الرب جل وعلا إلى سماء الدنيا ومناداته لعباده المؤمنين التائبين المستغفرين الداعين المستغيثين، ليستجيب دعاءهم، ويتوب على تائبهم، ويغفر لمستغفرهم، ويغيث مستغيثهم.

ووجه ثانٍ من أوجه البركة المذكورة في الحديث: أن هذا الوقت غالبًا ليس وقت شهوة ونهم وأكل وشرب، وإنما يتناول مريد الصيام شيئًا ولو يسيرًا من الطعام والشراب، وفي هذا استجابة لمراد الله تعالى وطاعة لرسوله ﷺ، ولا شك أن طاعة الله ورسوله كلها خير وبركة، ومن هنا فلا يحرم المتسحر من بركة الطاعة بفضل الله ورحمته.

ومن أوجه البركة أيضًا: أن الصائم يتقوى بأكلة السحور على الصيام، فيؤديه بقوة ونشاط، كما يعينه على أداء العبادات الأخرى.

ومما يظهر أثر بركة السحور: اتباع هدي نبينا محمد ﷺ فيه، فإن من هديه صلوات الله وسلامه عليه تأخيره إلى آخر الليل، روى الشيخان أن رسول الله ﷺ قال: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر وأخروا السحور»(4)، ولا يعني هذا التأخير تجاوز الحد، فيأكل الإنسان وهو يسمع الأذان حتى ينتهي، كما هو منتشر عند كثير من العامة.

فحريٌّ بك -أيها المسلم الصائم- أن تطلب هذه الخيرية، وبخاصة في هذا الوقت المبارك الذي اجتمع فيه شرف اليوم وشرف الشهر، فتستغل هذه المنح  العظيمة من الرب سبحانه وتعالى، فبعد استيقاظك وذكرك لله جل وعلا وتطهرك، تستفتح يومك بركعتين أو أكثر لله سبحانه وتعالى، وتدعو الله بما شئت من حاجاتك الدنيوية والأخروية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه أحمد (4/132)، والنسائي (2163)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (408).

(2) أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095).

(3) السلسلة الصحيحة:  1206/7

(4) أخرجه البخاري (1975)، ومسلم (1098).



بحث عن بحث