العلاقات الاجتماعية (1-2)

الحمد لله الرؤوف الرحيم، العليم الحكيم، خلق كل شيء فقدره تقديرًا، وأحكم شرائعه ببالغ حكمته بيانًا للخلق وتبصيرًا، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه السابغة، ونعمه المتتالية، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المسلمون الكرام:

شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لتجديد المعاني الإيمانية في النفوس، وبعث خصال الخير المكنونة فيها، وإحياء العلاقات الاجتماعية، والصلات القوية، والروابط الأُسرية، التي تتأثر بعوامل نفسية وزمنية، مع هذه العلاقات وتلك الروابط، وإحياء رمضان لها، نقف الوقفات الآتية:

الوقفة الأولى:

لقد بعث الله محمدًا ﷺ إلى الناس كافة؛ ليدلهم على كل خير ويحذرهم من كل شر، فأقرّ ما كان من خير سائد في الجاهلية، وأبطل كل شر يفسد على الناس حياتهم.

ومما أبطله هذا الدين، وشدد النكير عليه: ما تقوم عليه العلاقات أحيانًا بين الناس من جاهلية وعصبيات، والتي كان شعار الجاهلية فيها:

وأحـيـانًا عـلى بكرٍ أخـينا  ***   إذا لـم نـجـد إلا أخـــانـا

فرسم هذا الدين تلك العلاقات على أسس متينة وقواعد صلبة، فجعل للروابط بين المسلمين أيًّا كان نوعها شأنًا عظيمًا عند الله سبحانه وتعالى، فنظم العلاقات في البيت الواحد والأسرة الواحدة، وفي دائرة الأقارب والجيران وغيرهم، وجعل لكل صنف يتعامل معهم المسلم حقوقًا خاصة يجب على الفرد رعايتها والاهتمام بها، وأساس هذه العلاقات كلها هو الدين والتقوى، ورسم آدابًا عامة في كل تلك العلاقات، يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(1)، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(2)، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}(3).

هذا أنموذج لتلك الوشائج وآدابها التي تكون بين المسلمين بعامة، فحريّ بالمسلم أن يتمثل هذه القواعد في كل علاقاته مع إخوانه المسلمين قربوا أو بعدوا.

الوقفة الثانية:

لا شكَّ أن تلك الروابط تزداد وثاقة ومتانة كلما قربت الصلة بين الناس، وقد راعى الإسلام هذا الأفراد فزاد في وجوب قوة الرابطة ومتانة العلاقة.

وعلى رأس هؤلاء الذين تزداد العلاقة معهم، وتوجب على الأفراد قربًا منهم، هم الرحم والقرابة، وفي مقدمتهم الولدان، فقد جعل الإسلام لهما منزلة خاصة وصلة فريدة من نوعها، وحقوقًا كبيرة، ويكفي لبيان ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل حقهما مقترنًا بحقه سبحانه وتعالى، فها أنت أخي المسلم تقرأ في كتاب الله تعالى مرددًا: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(4).

فهل هناك تعاليم بشرية، ومقررات تربوية، أسمى من هذه التعاليم، وأقوى من هذه التربية؟ فالحبل الواصل بين الأبناء والبنات وبين الوالدين حبل متين، ما إن يحاول الابن والبنت إضعافه وقطعه إلا ويقع في العقوق والعياذ بالله، فالإحسان بمختلف شعبه: من القول اللين، والقيام بحاجاتهما ماديًّا ومعنويًّا، والدعاء لهما، وتلبية مطالبهما، من بدهيات حقوقهما، حتى وإن أحسست منهما بتعامل لا ترضاه أو بخطإٍ في أمر معين لا يعجبك، وإن أغضباك؛ فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا، فهل يعي الأولاد عمق هذه الرابطة فيطبقوها، ناهيك عما يتعلق بأعمال القلب من الحب والمودة والرأفة والشفقة وغيرها من المعاني السامية؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الحجرات: 10]

(2) [الحجرات: 11]

(3) [الحجرات: 12]

(4) [الإسراء: 23 – 24]



بحث عن بحث