البيت المسلم (3-3)

الوقفة الرابعة:

وكما يحسن شكل البيت ومظهره بأن يكون ذا طابع معين خاص، فينبغي للمسلم أن يكون بيته مثلًا رائعًا في الصلاح والإِصلاح، مثلًا للخير، والسعادة والفلاح، ولهذا عوامل كثيرة تجعله كذلك، في مقدمة هذه العوامل: قيام العلاقة بين الزوج وزوجته على المودة والرحمة فيتحقق بينهما قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(1)، فقال سبحانه: {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} ولم يقل: {لتسكنوا معها} مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك، والهدوء في الشعور، ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها، فكل من الزوجين يجد في سكنه الهدوء عند القلق، والبشاشة عند الضيق، والسرور عند الحزن، والفرج عند الهم، فإذا كان الحال كذلك؛ أصبح البيت مدرسة للنشء يتربى فيها البنين والبنات على خصال الخير وكريم الفعال، التي لا تكون إلا في ظلال أمومة حانية وأبوة كادحة، ومن هنا أمر الإسلام بحسن اختيار الزوج لزوجته، وجعل الميزان في ذلك الدين والخلق.

ومن عوامل صلاح البيت وسلامته: أن يكون بيت إيمان وقرآن، بيت ذكر ودعاء، بيت صلاة وصيام، روى مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت»(2)، وروى مسلم أيضًا أن رسول الله ﷺ قال: «إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يطعم قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا، وإذا دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال: أدركتم المبيت والعشاء»(3)، وروى مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، إن الشيطان ينفر من البيت تُقرأ فيه سورة البقرة»(4)، وروى مسلم أيضًا أن رسول الله ﷺ قال: «عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»(5)

ومن عوامل صلاح البيت وسلامته: أن يكون مدرسة يتربى فيه الناشئة على العلم النافع والخلق الفاضل، يتعلم الصغير من الكبير، والأبناء والبنات من الآباء والأمهات، يتعلمون العلم والعمل، قال الضحاك ومقاتل: حق على المسلم أن يعلم أهله وقرابته ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه، وقال الطبري: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب.

ومما يساعد في التعليم: توفير مكتبة مناسبة في المبيت تحوي الكتب النافعة، والتي فيها ما يناسب الصغير والكبير، والرجال والنساء، ابتداءً بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ وسيرته المباركة.

وعلى رأس عوامل إصلاح البيت: كونه مصدر تربية وتنشئة على الإِيمان والتقوى والخلق الكريم، وأهم ما يلمح إليه في ذلك: أن يكون الوالدان قدوة حسنة لمن في البيت من الذرية، قدوة في العبادة والأخلاق، قدوة في الأقوال والأعمال، قدوة في السلوك والتصرفات، قدوة في المظهر والمخبر، فمن سمات الطفولة: التقليد والمتابعة، فالبيت المسلم ينبغي ألا يرى فيه الطفل إلا عملًا طيبًا ولا يسمع إلا قولًا حسنًا.

الوقفة الخامسة:

مما يمتاز به البيت المسلم: أن أسراره محفوظة، وخلافاته محدودة، وخصوصياته مستورة، لا يجوز البوح بها وإظهارها، حتى يحافظ على كيانه وعدم زعزعته، وفي صحيح مسلم رحمه الله أن رسول الله ﷺ قال: «إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها»(6)      

الوقفة السادسة:

للبيت المسلم أعداء متنوعون حريصون على زعزعته وخدشه وعدم استقراره وفك روابطه، فما وجدت ثغرة ضعيفة إلا وأسرع هؤلاء الأعداء للنفوذ إلى هذا البيت، ومن هذه الثغرات: خلو البيت من ذكر الله عز وجل ومن الصلاة، وملؤه بالملهيات والصور والكلاب أو وجود الكفار والكافرات، وجعله مرتعًا للشياطين، أو إظهار الخلافات العائلية، أو عدم استقرار والعيش فيه، كل هذه وأمثالها منافذ لأَعداء البيت المسلم.

فاحرص – أخي المسلم – على سدها وعدم فتح الفرص للنفوذ من خلالها، ورحم الله القائل: «وإن الشيطان حين يفلح في فك روابط البيت والأسرة فهو لا يهدم بيتًا، ولا يحدث شرًّا محدودًا، وإنما يوقع الأمة جميعًا في أذًى مستمر وشر مستطير، فرحم الله رجلًا محمود السيرة، طيب السريرة، سهلًا رفيقًا، رحيمًا بأهله، حازمًا في أمره، لا يكلف شططًا، ولا يهمل في مسؤولية، ورحم الله امرأة لا تطلب غلطًا ولا تكثر لغطًا، صالحة قانتة حافظة للغيب بما حفظ الله، فاتقوا الله يا أرباب البيوت، واجعلوا من بيوتكم مصادر إضاءة ونور وهداية، ولا تجعلوها أوكارًا للشيطان، ومأوى لأَعداء الرحمن، فالله سائلكم عما استرعاكم»

أيها المسلمون الكرام:

إن رمضان بنفحاته الطيبة يبعث في البيوت كل ما يؤدي إلى تماسكها وعدم زعزعتها، فاجعلوا رمضان منطلقًا لإصلاح البيوت واستقامة أهلها.

أسأل الله تعالى أن يصلحنا ويصلح لنا أسرنا، وأن يعافينا ويعفو عن أخطائنا وزلاتنا، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الروم: 21]

(2) رواه البخاري (6407) في الدعوات، باب فضل ذكر اللهD، ومسلم(779) في صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.

(3) رواه مسلم (2018) في الأشربة، باب آداب الطعام والشراب، وأبوداود (3765) في الأطعمة، باب التسمية على الطعام، وابن ماجه (3887) في الدعوة، باب ما يدعو به إذا دخل بيته.

(4) رواه مسلم (1/539)، برقم(780) في صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، والترمذي (5/145)، برقم(877) في فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل سورة البقرة.

(5) رواه مسلم (1/539)، برقم(781) في صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.

(6) رواه مسلم (2/1060)، برقم(1437) في النكاح، باب تحريم إفشاء سر المرأة.



بحث عن بحث