البيت المسلم (2-3)

الوقفة الثانية:

هذا البيت الذي يمثل المجتمع المصغر له في الإسلام منزلة عظمى، وأهمية كبرى، اهتم به الإِسلام، وجعل له أحكامًا تخصه، ينبغي للمسلم أن يطبقها ويتعامل في ضوئها، حث الإسلام على القيام بشؤونه وإصلاحه، ورعايته والعناية به، فبصلاحه يصلح المجتمع، وبفساده يتعرض المجتمع لخسائر فادحة، جعله الإِسلام مصدر الصلاح والإصلاح.

كيف لا والله سبحانه جعل رب البيت مسؤولًا عن نفسه وأهله بأن يقيم النار {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(1)، وبيَّن الرسول ﷺ عِظَم هذه المسؤولية على راعي البيت وحاميه، روى النسائي وابن حبان بسند صحيح أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله تعالى سائل كل راعٍ عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»(2)، فوقفة تأمل من كل مسؤول عن بيته ليرعى هذه المسؤولية ويقوم بها لأَجل أن لا يتعرض هذا البيت لما يسقطه أو يفسده.

الوقفة الثالثة:

البيت المسلم متميز عن غيره من البيوت شكلًا ومضمونًا، ظاهرًا وباطنًا، مواصفاته خاصة، وآداب سامية، فمن أهم تلك المواصفات: ستره وصيانته عن الأَنظار، يأمن من يسكنه من الاطلاع على عوراته وأسراره، لا يدخله غير أصحابه إلا باستئذان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(3).

ومن مواصفاته: أن يلحظ في تصميمه انفصال أمكنة الرجال عن النساء؛ ليتحقق الستر والراحة لكلا الطرفين.

ومن مواصفاته في خدماته: أن لا تكون المراحيض باتجاه القبلة؛ لما جاء في الصحيح: «إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها«(4)

ومن المهم: النظر إلى موقع هذا البيت فيكون قريبًا من المسجد قدر الإِمكان؛ لئلا يتكاسل عن الصلاة جماعة، ولأَجل أن يتربّى أولاده على المداومة على المسجد.

وأمر آخر: أن ينظر من يختار بيته إلى الجار الحسن، فقد تعوذ رسول الله ﷺ في دعائه من جار السوء فقال – فيما رواه الحاكم وصححه -: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في المقامة فإن جار البادية يتحول«(5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [التحريم: 6]

(2) رواه النسائي في الكبرى (5/374)، برقم(9174) في عشرة النساء، باب مسؤولية كل راع عما استرعي، وابن حبان كما في الإحسان (10/345)، برقم(4493) كتاب السير، باب الخلافة والإِمارة.

(3) [النور: 37 – 38

(4) رواه مسلم (1/224)، برقم(265) في الطهارة، باب الاستطابة.

(5) رواه النسائي (8/274) في الاستعاذة، باب الاستعاذة من جار السوء، وابن حبان كما في الإِحسان (3/307)، برقم(1033) في الرقاق، باب ما ذكر ما يستحب للمرء أن يتعوذ بالله عز وجل، والحاكم (1/532).



بحث عن بحث