دروس من فتح مكة (2-3)

الوقفة الثانية:

هذا الحدث العظيم يتجلّى فيه تعظيم رسول الله ﷺ لبيت الله الحرام، حيث أعلن أن من دخله كان آمنًا، فبيت الله الحرام أمان من كل شيء، وهو كذلك بإذن الله تعالى إلى أن تقوم الساعة.

كما أعلن صلوات الله وسلامه عليه إحلال التوحيد محل الشرك «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده«.

وهذا هو المسلم محققًا في جميع شؤون حياته كلها هذا الإِعلان من هذا النبي الكريم ﷺ، محققًا توحيد الله سبحانه وتعالى في اعتقاده وعبادته، في سلوكه ومعاملته، في حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وهذا التوحيد هو الحق الذي يجب أن يعلو وأن يظهر في بيت الله الحرام وفي جميع أرجاء المعمورة.

إن سيرة رسول الله ﷺ تذكرنا في هذا الشهر المبارك بأن من أخلّ بهذا التوحيد، أو أخلّ بأمن وأمان هذا الحرم المبارك، أو عبث فيه أو آذى إخوانه المسلمين، أو أفسد شيئًا مما يحتويه، أو عصى الله فيه بأي نوع من العصيان، فقد أخلّ بتوحيد الله سبحانه وتعالى، وخالف رسوله ﷺ، وتعرض لعقوبة الله جل وعلا، فيجب أن يبقى بيت الله – كما أعلن رسول الله ﷺ - أمانًا للقائمين والعاكفين والركع السجود، كما يجب أن يتمثل كل مسلم هذا الأمان فيحترم هذا البيت العتيق، تعلوه هيبة وإجلال، وتقدير واحترام.

الوقفة الثالثة:

من المبادئ التي تم إعلانها في هذا الفتح العظيم: نفي الجنسيات والقوميات والعصبيات والعرقيات، فأصل الناس واحد، لا تفاضل بينهم على أساس اللون أو الجنس أو القبيلة ونحوها «يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب«(1).

فالأصل واحد، تفرع عنه شعوب وقبائل وأجناس وألوان، خلقهم الله كذلك ليتعارفوا، فلا تفاضل بينهم إلا على أساس: التقوى «فلا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، كلكم لآدم، وآدم من تراب«.

فبقدر القرب من الله سبحانه وتعالى وطاعته وتوحيده وتقواه يحصل الفضل والمزية والعلو والرفعة.

فهل سخرت جهودك – أخي المسلم – وأعمالك وحركاتك وسكناتك للوصول إلى هذه التقوى؟ إن لم تكن كذلك فراجع نفسك، فرمضان فرصة عظيمة للوقوف والمراجعة، ها هو فتح مكة يذكرك بهذا الأَصل العظيم، فاجتهد في ذلك، وفقنا الله وإياك وجعلنا من المتقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدم تخريجه آنفًا.



بحث عن بحث