العمرة (2-4)

 

الوقفة الثانية:

ينوي مريد العمرة السفر إلى بيت الله الحرام؛ لأداء هذه العمرة خالصة لله، فيكون سفره هذا سفر طاعة وقربة فيؤجر على نيته، وينتقي من ماله أجوده ليصرفه في هذه الطاعة العظيمة، ويركب ما تيسّر له من المراكب متجهًا إلى مكة المكرمة، داعيًا بدعاء السفر، فيحيطه الله بعنايته ورعايته، تاركًا أهله وأمواله وأحبابه ووطنه، فيزداد ثوابه؛ لتركه هذه الأُمور لله سبحانه وتعالى، شاغلًا وقت فسره بالقراءة والذكر والتفكر والمحاسبة.

فإذا وصل إلى الميقات الذي يبدأ منه أعمال عمرته، يتجرد من ملابسه المعتادة، مغتسلًا ومطيِّبًا بدنه، ومزيلًا ما يزال من الشعر، لابسًا رداءين أبيضين نظيفين – هذا للرجل – وأما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب المباحة لها، غير أن لا تكون ثياب زينة أو تشبه بالرجال، أو تظهر شيئًا من جسدها.

وفي هذا الموقف فرصة عظيمة للتأمل والمراجعة فبالتجرد من الملابس المعتادة والاغتسال، يستشعر المعتمر أنه خلع ذنوبه السالفة واغتسل منها، وظهر أمام ربه جل وعلا بمظهر آخر جديد، صفحته بيضاء نقية، فكأنه يقول: ها أنذا ربي جئتك طامعًا في مغفرة ذنوبي راجعًا منها كيوم ولدتني أمي، فالله سبحانه أكرم الأَكرمين وأجود الأجودين، فحريّ أن يجيب سؤاله ويلبي آماله، وبلباسه لباس العمرة يشعر بأنه بدأ حياة جديدة خالية من الذنوب.

ثم يركب مركوبه ويلبي بالعمرة، ناويًا لها بقلبه قائلًا: «لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، معلنًا استجابته لله جلّ وعلا، وتوحيده غير مشرك معه أحدًا غيره، مسديًا له الفضل والنعمة على تمكينه من هذه العبادة، ويبدأ بالطواف بالبيت عند وصوله إليه سبعة أشواط مبتدئًا بالحجر الأسود مقبِّلًا له إن استطاع، أو مشيرًا له بيده، ومكبِّرًا عند بدايته وكلما حاذاه خلال أشواطه السبعة، كما فعل ذلك رسول الله ، ويصلي ركعتين بعده وهما سنة الطواف، متجهًا بعدها إلى الصفا راقيًا له مكبرًا وداعيًا الله بما شاء، ثم يتجه إلى المروة ويرقاها ويفعل كما فعل عند الصفا، فاعلًا ذلك سبعة أشواط؛ ذهابه شوط، ورجوعه شوط آخر، فيبدأ بالصفا، وينتهي شوطه السابع عند المروة.

 

وخلال أشواط الطواف والسعي، له أن يدعو الله بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، أو يقرأ من كتاب الله ما شاء، أو يشغل وقته بالذكر، وبعد نهاية الشوط السابع من السعي يحلق رأسه أو يقصر، والخلق أفضل؛ فالرسول دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة واحدة(2)، أما المرأة فليس لها إلا التقصير من شعرها قدر أنملة فقط.

وبهذا تتم العمرة، شاكرًا العبد ربه على إتمامها، راجيًا له أن يتم ثوابها، طامعًا في تكفير سيئاته.

________

 (2) رواه البخاري (3/561) (1727) في الحج، باب الحلق والتقصير عند الإِحلال، ومسلم (2/945) (1301) في الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير. 



بحث عن بحث