قراءة القرآن (4-5)

 

الوقفة السابعة:

إن من خير ما يشغل به الصائم نفسه: تلاوة القرآن وتدبر معانيه؛ تأسيًا بهدي نبينا محمد ، حيث ضرب صلوات الله وسلامه عليه من نفسه مثلًا لتعاهد القرآن، فقد كان جبريل  يدارسه القرآن، وكان يقرأ على أصحابه ويستقرئهم ويحثهم على القراءة، ويعقد الراية لأَكثرهم حفظًا، وفي الحديث المتفق عليه: أنه كان يقول: «تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإِبل في عقلها»(6)، ومسألة تعاهد القرآن هذه من المسائل المهمة التي بحثها السلف من أهل العلم، وبيَّنوا المدة التي إذا تجاوزها المسلم فإنه يخشى أن يكون هاجرًا للقرآن، قال إسحاق بن راهويه: «يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يومًا لا يقرأ فيها القرآن»، ومعنى: «لا يقرأ فيها» أي: يقرأ القرآن فيها كاملًا حتى يختمه، إذ إن المسلم يقرأ في صلواته الخمس، وذكر ابن كثير في مقابل ذلك أنه يكره للمسلم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاثة أيام.

ومع ذلك فإن واقع بعض المسلمين اليوم تجاه كتاب ربهم واقع لا يُرضى، فقد حرموا أنفسهم فضلًا عظيمًا، وحظًّا وثوابًا جزيلًا.

أخرج الترمذي وغيره عن ابن مسعود  أنه قال: قال رسول الله : «من قرأ حرفًا من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»(7).

فلو أخذت المصحف بيدك ثم قرأ خمس دقائق ثم حسبت – إن شئت – عدد الأحرف، وضربتها بعشر حسنات إلى سبع مئة ضعف، ثم نظرت إلى ذلك الرقم الهائل للحسنات التي ستظفر بها إن شاء الله تعالى في هذا الزمن اليسير مع إخلاص النية! تُرى لو استغل كل منا وقت فراغه لقراءة القرآن وتدبره؛ فلك أن تتأمل كم من الحسنات سننالها؟!

 

الوقفة الثامنة:

روى الإمام أحمد والحاكم وغيره بسند رجاله رجال الصحيح عن   عبد الله بن بريك عن أبيه قال: «إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن، أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته وأنا لك اليوم وراء كل تجارة، قال: فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولون: بم كسينا هذه؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ، هذًّا كان أو ترتيلًا»(8).

_________

 (6) رواه البخاري مع الفتح (9/79)، برقم(5033) في فضائل القرآن، باب استذكار القرآن، ومسلم (1/545)، برقم(791) في صلاة المسافرين، باب الأمر بتعاهد القرآن، والدارمي (2/531)، برقم(3349) في فضائل القرآن، باب في تعاهد القرآن.

(7) رواه الترمذي (5/161)، برقم(2910) فضائل القرآن، باب رقم(16).

(8) رواه أحمد في المسند (5/348) من حديث أبي موسى الأشعري في آخر الحديث، والدارمي (2/543)، برقم(3391) في فضائل القرآن، باب في فضل البقرة وآل عمران. 



بحث عن بحث