قراءة القرآن (3-5)

 

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد تحدثنا في الوقفات السابقة عن كتاب الله، وفضل تلاوته، ووجوب العناية به وتدبره، ولا زال لنا بعض الوقفات مع هذا الكتاب العظيم:

 

الوقفة الخامسة:

لا شكَّ – أخي المسلم – أن الغاية الكبرى والمقصود الأَعظم من تلاوة القرآن هو فهمه وتدبُّره والعمل به، أما التلاوة بلا فهم ولا تدبُّر ولا عمل؛ فلا تخرج صاحبها من دائرة الهجر للقرآن والتعرض للوعيد.

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ*وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرً*قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ﴾ [طه: 123 – 126].

لا شكَّ أن المسلم العاقل يربأ بنفسه عن أن يكون مع الذين يُنسون في الآخرة، ولهم في الدنيا معيشة الضنك والهم والقلق، أعاذنا الله وإياكم منهم.

فلنحافظ على كتاب الله قراءة وتدبرًا، حفظًا وفهمًا، قبل فوات الأوان، فهو كلام الله العظيم، وصراطه المستقيم، وشرعه الحكيم، ورسالته الخالدة، ومعجزته الدائمة، ورحمته الواسعة، ونعمته السابغة، وهو نور الأَبصار والبصائر إلى طريق الله ورسوله، ولا نجاة بغيره، إنه خاتم الكتب، أنزل على خاتم الأنبياء بدين خُتمت به الأَديان.

رزقنا الله وإياكم تلاوة كتاب الله حق تلاوته، وجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.

 

الوقفة السادسة:

ذكر السيوطي في معرض حديثه عن وجوه إعجاز القرآن الكريم: أن قارئ القرآن لا يملّ من قراءته له، وسامعه لا يسأمه ولا يمجّه، بل الإِكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبة، وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد، ويملّ مع الترديد.

والسيوطي بذلك يشير إلى وصف رسول الله للقرآن، فقد أخرج الترمذي وغيره أن رسول الله وصف القرآن الكريم بأنه: «كلام الله الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الأَلسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق من كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه»(5).

كلمات موجزة من جوامع كلمه ، تلكم المعاني العظيمة كان تأثيرها على أصحابه رضوان الله عليهم كبيرًا، علمًا وتعلمًا، أخلاقًا وسلوكًا، فهمًا وتطبيقًا.

قال عثمان بن عفان: «لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم».

وقال الشاعر:

تـزداد منـه عـلى تـرداده ثقـة***وكل قـول عـلى التـرداد مـملول

حقًّا لو طهرت قلوبنا ما شبعت من القرآن، ولكان السأم والملل أبعد ما يكون منا عند تلاوتها القرآن، ذلك أن شأن القلوب المؤمنة أن لا تكل ولا تمل من تلاوته، فليراجع كل مسلم نفسه وليصلح شأنه، ويتعاهد قلبه؛ فإن من يدرك من نفسه مللًا عن تلاوة القرآن أو سآمة، فقلبه يحتاج إلى تطهير.

_________

(5) رواه الترمذي (5/159)، برقم(2906) في فضائل القرآن، باب فضل القرآن، والدارمي (2/526)، برقم(3321) في فضائل القرآن، باب فضل من قرأ القرآن. 



بحث عن بحث