الدعاء (1-3)

الحمد لله القوي العزيز، له ما في السموات والأَرض، يقول للشيء: «كن» فيكون، أحمده سبحانه من لطيف خبير، وأشكره على فضله وامتنانه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد البشير النذير، والسراج المنير، أفضل الدَّاعين إلى الله والملتجئين إليه في السرَّاء والضرَّاء، وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:

فإن رمضان والصيام لهما ارتباط كبير، ووثاق شديد، مع كثير من الطاعات والقربات، فما أن يقدم شهر رمضان المبارك إلا ويتبارى الموفّقون للمزيد من تلك الطاعات، فيشدّون وثاقهم مع خالقهم رب الأَرض والسموات، ويرجعون إلى أنفسهم ليحاسبوها على التقصير والهفوات، ولازلنا نعيش في تلك الرياض المخضرة، المتزينة بزينة الإيمان.

فنقف فيما يلي مع عبادة عظيمة جليلة، لها شأنها في رمضان، وارتباطها الوثيق بالمسلم في كل زمان ومكان وحال، عبادة مع شأنها العظيم هي يسيرة على من يسّرها الله تعالى عليه؛ ذلكم هو الدعاء، وما أدراكم ما الدعاء، إنه الحبل الوثيق الواصل بين الخالق والمخلوق، له فضل عظيم، وشروط وآداب مهمة، وثمار عاجلة وآجلة، نعرض ما يتيسر من ذلك في الوقفات الآتية:

الوقفة الأولى:

حقيقة الدعاء: إظهار الافتقار إلى الله، والتبري من الحول والقوة إلا له سبحانه، والاستشعار للذلة، وهو سمة العبودية.

الدعاء هو الاستعانة بالله سبحانه واللجوء إليه ومناداته؛ لجلب النفع والخير، ودفع الأذى والشر، والدعاء هو الثناء على الله تعالى بما هو أهله وسؤاله خيري الدنيا والآخرة، هذا الدعاء له شأن عظيم في دين الله، فالعباد في هذه الحياة لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فلا غنى لهم عن خالقهم لحظة من اللحظات، تُرى هل يُقدِّر الإنسان ما يحصل له من خير أو شر في ساعاته المقبلة؟ وهل يعلم ما سيكون في غده ومستقبله؟

فالإِنسان معلق بالله سبحانه وتعالى، لا يملك لنفسه – فضلًا عن غيره – خيرًا ولا شرًّا، يقول جل ذكره: ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ [الفرقان: 3]، ويقول جلت قدرته: ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ [الفتح: 11]، ويقول: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ﴾ [الأعراف: 188].

الوقفة الثانية:

هذا الدعاء الذي يتلفظ به الإنسان وهو مليء بالشعور بالحاجة إليه تعالى، يتلفظ به بتذلل ورغبة ورهبة، لا غنى لأَي فرد عنه في أي حال من أحواله، شدة ورخاء، صحة وعافية، كبيرًا وصغيرًا.

هذا الدعاء له فضله العظيم وآثاره المباركة، جاءت النصوص العظيمة ببيانها بصيغ مختلفة؛ بالحث عليه تارة، والتشجيع عليه، وبيان أهميته، وعظم نتائجه، تارة أخرى، يقول سبحانه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، ويقول جل شأنه: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].

ومن اللطيف ذكره أن الله جل وعلا قرن الدعاء بالصيام، فبعد أن ذكر الصيام ذكر بعده قوله جل شأنه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].



بحث عن بحث