الفطور والسحور (3-3)

 

الوقفة الخامسة:

عندما يتناول المسلم وجبتي الإِفطار والسحور مع أولاده وأسرته، ويأكلون أطيب المطاعم والمشارب، بفرح وسرور وغبطة، وحمد وثناء، وشكر لله سبحانه على ما رزقهم من الطيبات، ينبغي للمسلم وهو في حاله هذه أن يتذكر إخوانًا له من المسلمين في بقاع من العالم مختلفة لا يجدون التمرة ليفطروا عليها، ولا كسرة خبز ليطعموا أولادهم، ولا كوبًا من الحليب ليرضعوا أطفالهم، فليكن – أخي المسلم – صومك وفطرك دافعًا لك لتذكر إخوانك هؤلاء فتجتهد كل الاجتهاد ليشاركك إخوانك في ثمراتك وأكلاتك، فتد يد العون والمساعدة لهم بأسرع وقت ممكن، والأجر بإذن الله تعالى أسبق: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المزمل: 20].

 

الوقفة السادسة:

مما نبّه إليه الرسول في تناول السحور من المعاني الإِيمانية التي يجب تعميقها في النفوس: مخالفة أهل الكتاب في صيامهم، روى مسلم وغيره عن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: «فصل ما بين صومنا وصوم أهل الكتاب أكلة السحور»( 11).

حتى في وقت الأكل والشرب ينبغي مخالفة المشركين وأهل الكتاب، وهذا الأمر – أعني مخالفة الكفار – مبدأ من المبادئ التي وجه إليها الإسلام، وحذَّر المسلم من خرمها، والانسياق مع الأُمم الأُخرى في أفعالها وطرائق حياتها، فضلًا عن عباداتها وأعيادها، ولهذا قال النبي : «من تشبه بقوم فهو منهم»(12)، ولقد كانت عزة الأُمة المسلمة وغلبتها واحترام الأُمم الأُخرى لها حينما وقفت على ما جاء به نبيها محمد من عقائد وعبادات وشرائع، وشعرت أنها بما تحمله من هذا الدين فوق الأُمم الأُخرى؛ لأن معها الحق الـمنزَّل من عند الله تعالى، أما غيرها فليس لديه إلا أهواء البشر وفلسفات العقول البشرية.

 

هذه قاعدة عظيمة – أعني عزة الأمة المسلمة بما تحمله من هذا الدين – فهل يبعث رمضان في نفوسنا هذه القاعدة، فنعلمها ونفقهها ثم نطبقها في جميع شؤون حياتنا صغيرها وكبيرها، فنعتز بديننا عقيدة وسلوكًا، شريعة ومنهاج حياة، حتى يعود للأمة المسلمة عزها ومجدها وسؤددها؟ إن كل فرد مسلم صائم ينطلق من صيامه في تطبيق هذا المبدأ العظيم في كل أمر من أمور الحياة، وينبذ كل تقليد وتشبه بالكفرة في دقائق الأشياء وجليلها، وإنك لترى أقوامًا ضعف اعتزازهم بدينهم فبهرهم ما عند الغرب والشرق من أفكار منحرفة، وأعرافٍ معوّجة، فظنوا أنهم رقوا بأنفسهم ومجتمعهم مراقي العلا، وما علموا أنهم أذابوا شخصياتهم وتقهقروا بمجتمعاتهم فأصبحوا أذلّاء تابعين لا خير فيهم، لا يحسب لهم حساب، ولا يقام لهم وزن.

 

أيها المسلمون الكرام:

لنتعلم من مدرسة رمضان عزّنا بديننا، واستقلال شخصيتنا، وعلونا بتمسكنا بشريعة ربنا، أسأل الله تعالى أن يبصرنا بديننا ويفقهنا فيه، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأَفعال، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

 

---------

(11) رواه مسلم في الصيام، برقم(1095).

(12) رواه أبوداود في اللباس، باب في لبس الشهرة، برقم(4031).



بحث عن بحث