الفطور والسحور (1-3)

 

الحمد لله واسع الفضل والعطاء، أعد للصائمين أفضل الجزاء، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه المتوالية، وآلائه المتتالية، وأصلي وأسلم على النبي الأُمي المبعوث رحمة للعالمين، وهداية للبشرية أجمعين، وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والسبق، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن رمضان المبارك يجدد في القلوب الإيمان، ويبعث في النفوس خصال الخير، ويحيي فيها الاقتداء بنبيها محمد في أفعاله وأقواله، في فعل الواجبات والمندوبات، وفي ترك المحظورات والمكروهات.

ونحن نعيش في رحاب هذا الشهر المبارك ومعاني الخير قائمة، يجتهد المسلم الصائم في تحري هدي نبينا محمد فيقتدي به، ولرمضان والصيام خصوصية أعمالها التي تحتاج إلى وقفات وقفات، فتقف مع بعض خصوصيات رمضان والصيام تلكم ما جاءنا عن نبينا محمد في الإِفطار والسحور:

 

الوقفة الأُولى:

السحور هي الأكلة الختام في آخر الليل للصائم، اهتم بها الرسول ووجَّه إلى العناية بها، وتعاهدها، وكان يسميها: الغداء المبارك، كما أخرج النسائي أن رسول الله قال: «عليكم بغداء السحور فإنه هو الغداء المبارك»(1).

 

وجاء تكرار هذه البركة في توجيهه فيما رواه الشيخان وغيرهما أن رسول الله قال: «تسحروا فإنَّ في السحور بركة»(2)، وأخرج الإِمام أحمد وأبوداود وغيرهما أن النبي قال: «السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين»(3).

حريٌّ بك أخي المسلم أن تنشد هذه البركة التي تأتي – والله أعلم – من وجه كونها أكلة في وقت فاضل، وقت نزول الرب جل وعلا إلى سماء الدنيا، ومناداته لعباده المؤمنين التائبين المستغفرين الداعين المستغيثين؛ ليجيب دعاءهم، ويتوب على تائبهم، ويغفر لمستغفرهم، ويغيث مستغيثهم.

ووجه من أوجه البركة: أن هذا الوقت غالبًا ليس وقت شهوة أكل وشرب، وإنما يتناول مريد الصيام شيئًا من الأَكل والشرب استجابة لمراد الله تعالى وطاعة لرسوله ، وهذه من أهم صفات المؤمن الحق، أعني الاستجابة لله تعالى ولرسوله .

 

ومن أوجه البركة أيضًا: أن يتقوَّى به الصائم على الصيام فيؤدِّيه بنشاط وقوة، كما يعينه على أداء العبادات الأخرى، ومما يُظهر أثر بركة السحور: اتباع هدي نبينا محمد فيه، فإن من هديه صلوات الله وسلامه عليه تأخيره إلى آخر الليل، روى الشيخان أن رسول الله قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور»(4)، ولايعني هذا التأخير تجاوز الحدّ، فيأكل الإِنسان عند سماع الأذان حتى نهايته كما هو منتشر عند كثير من العامة.

 

حريٌّ بك أخي المسلم أن تطلب هذه الخيرية، وبخاصة في هذا الوقت المبارك الذي اجتمع فيه شرف اليوم وشرف الشهر، فتستغل هذه المنح العظيمة من الرب سبحانه وتعالى، فبعد استيقاظك وذكرك لله جل وعلا وتطهرك، تستفتح يومك بركعتين أو أكثر لله سبحانه وتعالى، وتدعو الله بما شئت من حاجاتك الدنيوية والأخروية.

 

--------

(1) رواه النسائي (4/146)، برقم(2164) في الصيام، باب تسمية السحور غداء.

(2) رواه البخاري (4/139)، برقم(1923)، في الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب.

(3) رواه مسلم (2/770)، برقم(1095)، في الصيام، باب في فضل السحور، أحمد (3/44، و5/370).

(4) قوله: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» رواه البخاري (4/198)، برقم(1957) في الصيام، باب تعجيل الإفطار، ومسلم (2/771)، برقم(1098) في الصيام، باب فضل السحور وتأكيده، ورواه أحمد، برقم(22865). 



بحث عن بحث