من أداب الصوم (1-2)

 

الوقفة الثالثة:

ومن أهم آداب الصوم: استغلال ما يحصل للصائم، من هدوء نفسي، وخلو من مشاغل القلب، وصفاء في الفكر – وهذه غالبًا ما تحصل للصائم في شهر رمضان – فحريٌّ بالمسلم الصائم أن يستغل هذا الصفاء ليدون في سجل أعماله ما يرضي ربه، فيزودها من الخير والتقوى، مبتدئًا بمحاسبة نفسه، وتقويم نظام حياته السابقة، ليستأنف حياة جديدة مليئة بالطاعة.

ومما يشار إليه في هذا: قراءة كتاب الله تعالى الذي كان يعطيه الرسول نصيبًا أكبر في شهر رمضان، وكذا الابتهال إلى الله سبحانه وتعالى بالذكر والدعاء، يجيش بهما قلبه، وينطق بهما لسانه، فيظل لسانه رطبًا بذكر الله، فهو يدرك أنه لا غنى له عن خالقه سبحانه، فيصله بهذا الذكر العظيم، أضف إلى ذلك نوافل الصلاة، وفي مقدمتها صلاة التراويح التي من أدَّاها إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه، وكذا بقية الأعمال الصالحة من الصدقات والبر والإِحسان وغيرها.

 

الوقفة الرابعة:

إن من أهم آداب الصوم التي لا تتحقق غايته إلا بها: ما وجهنا إليه الحبيب المصطفى فيما رواه أبو هريرة أن رسول الله قال: «الصوم جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم»(3).

 

فإذا تأملت – أخي المسلم الكريم – هذا التوجيه العظيم؛ وجدت أمرًا عظيمًا حري بك – وأنت تصوم في هذا الشهر المبارك – أن تتمثله منهاجًا خلقيًا في حياتك، وهذا فضل عظيم، وثواب جزيل، وغاية ينبغي أن يسعى إليها كلُّ من آمن بالله ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمد نبيًّا ورسولًا، ولن يدرك هذه الغاية إلا من هذّبه صومه، وقوّم خلقه، وأدّب جوارحه، فصومه يمنعه من الفحش والبذاءة، كما يمنعه من دواعي الجماع في نهار رمضان؛ لئلا يقع في المحظور، ويعني ذلك أنه لا يستعمل إلا القول الحسن، والفعل الحسن، مبتعدًا عما يخدش صومه من المحرمات أو المكروهات، بل ينبغي أن يصل إلى درجة أعلى؛ تلكم هي ضبط النفس، وكبح الانفعالات عند من يعتدي عليه بكلمة نابية، أو سباب أو شتام، ولا يكتفي بعدم الرد، إنما ينبه الآخر إلى أن سبب منعه من مجاراته ف يخلقه المشين هو الصوم.

 

ألا ما أجمل الصائم عندما يتحلى بتلك الآداب التي تظهر على الجوارح، وتصور – أخي المسلم – أن المجتمع المسلم وهو يؤدي هذه العبادة الجليلة يتخلق أفارده بهذا الخلق النبيل، لا شك أن الفرد المطبق لهذه الآداب، والمجتمع الذي تنتشر فيه هذه الآداب، يكون مدرسة دعوية تخرج الصالحين بأعمالهم وأخلاقهم وسلوكهم قبل أقوالهم.

فلنعي هذا معشر الصائمين لنحقق الخير في الدنيا والآخرة، ولتقربنا هذه الآداب من الخالق سبحانه، ولتزيد نفوسنا من الصلاح والتقى، وإنما يتقبل الله من المتقين، جعلني الله وإياكم هداة مهتدين، وأصلح لي ولكم القصد، ورزقنا حسن العمل، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

 

---------

([3]) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، حديث رقم(1894)، ومسلم في الصيام، باب فضل الصيام، حديث رقم(163).



بحث عن بحث