حكمة الصيام التقوى -2

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا جل وعلا ويرضى، أحمده سبحانه وهو أهل الحمد في الأُولى والأُخرى، وأصلي وأُسلم على النبي الذي لا ينطق عن الهوى، وعلى آله وأَصحابه والتابعين أُولي الأَلباب والنُّهى، ومن سار على نهجهم واهتدى، وعلى طريقتهم اقتفى، أما بعد:

فقد وقفنا بعض الوقفات فيما سبق مع حكمة الصيام الكبرى، وغايته الأَسمى، تلكم هي التقوى المتمثلة بقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، عرفنا معناها ومدلولها، وتنويه القرآن والسنة بشأنها، والحث على الالتزام والتمسك بها، ولا زال الحديث موصولًا معها في بقية من وقفات لنتعرف على آثارها ونتائجها، وأهم الصفات التي تحصل للمرء بها:

 

الوقفة السادسة:

اهتم السلف الصالح بهذه الكلمة قولًا وفعلًا، وظهرت واضحة جلية في وصاياهم، فهذا علي بن أبي طالب، استعمل رجلًا على سرية فقال له: «أوصيك بتقوى الله الذي لا بد لك من لقاه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة»، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل فقال: «أوصيك بتقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياكم من المتقين»، وكتب أحد السلف إلى آخر فقال: «أما بعد: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال، في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره».

 

الوقفة السابعة:

هذه الكلمة بمدلولها الواسع إذا طبقها الفرد، وانتشرت في المجتمع، خلفت آثارًا يعجز القلم عن حصرها، ولكن حسبنا الإِشارة إلى ما يدل على شيء من ذلك:

التقوى سبب لتيسير أمور الفرد والمجتمع، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4]، ويقول سبحانه: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ﴾ [الليل: 5 – 7].

 

والتقوى سبب لفتح البركات من السماء والأَرض، وحصول الأَرزاق، وسعة الأَموال، يقول المولى تقدّس في علاه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، ويقول جلّ شأنه: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2 – 3].

 

والتقوى سبب للتوفيق والتسديد في الحياة، والسعادة في الدنيا والآخرة، يقول جل وعز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّـهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]، ويقول تقدَّس اسمه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [الحديد: 28].

 

والتقوى عامل قوي لعدم الخوف من كيد الكائدين، وضرر الكافرين، يقول جل وعلا: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120].

 

والتقوى سبب لنيل ولاية الله تعالى، يقول تعالى: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 34].

 

والتقوى طريق موصل إلى رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة، يقول جلّ شأنه: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].

 

وأهل التقوى تحصل لهم البشرى والاطمئنان في الحياة الدنيا، سواء بالرؤيا الصالحة، أو بمحبة الناس لهم والثناء عليهم، والدعاء لهم، يقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*لهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[يونس: 63 – 64].

 

هذه بعض آثار التقوى إضافة إلى ما يحصل عليه المتقي عند الله سبحانه وتعالى يوم يلقاه، من فوز وفلاح، ونجاة من عذاب الله تعالى، وقبول الأَعمال، وتكفير السيئات، ومحو الذنوب، والعفو عن الزلات، ورفعة الدرجات، وزيادة الأَجر والحسنات، يقول جل وعلا: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 52]، ويقول سبحانه: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا*كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴾ [مريم: 71 – 72].

ويقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27]، ويقول سبحانه: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: 63].

ويقول جلّ من قائل: ﴿لَـٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ الْمِيعَادَ ﴾ [الزمر: 20]، ويقول سبحانه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].



بحث عن بحث