المدرسة الحديثية (1-1)

المقدمة :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه

أجمعين .                                                                                          أما بعد

  فإن علم الحديث النبوي من العلوم التي كثر فيها التصنيف، وتنوَّعت فيها طرائق العلماء بالكتابة في شتى جوانبه؛ وذلك لما تميز به من البحث في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبيانها، وتوضيح مقاصدها وكشف أسرارها؛ وكونها مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي العظيم.

ولذا اهتم علماء الإسلام في شتى العصور بجمع الأحاديث النبوية وروايتها، ودراسة ما اشتملت عليه من العلوم الشرعية المتعددة، فجمعٌ من المحدثين عقدوا مجالس إملاء الحديث في بعض الجوامع ومجالس التحديث سيرا على سنن الحفاظ الأوائل الذين كانوا يُمْلون من حفظهم أو من كتبهم الموثقة المضبوطة من الأحاديث والآثار، فكانت تلك المجالس النواة الأولى لنشأة هذه المدارس الحديثية .

فالمدارس الحديثية : حركة علمية تعددت في الأمصار منها في اليمن ومنها في المدينة ، ومنها في الشام ومنها في العراق ومنها في الأندلس وهكذا  ..

كما حرص كثير من الخلفاء والوزراء على بناء هذه المدارس في كثير من الأقطار الإسلامية، وفي الجوامع

 

ولنفاسة هذا الباب – المدارس الحديثية- ، صّنف أهل العلم تصانيف مفردة أو مدرجة،

عن تلك المدارس المعمورة في الأوطان، وبيان خصائصها،  وسيجد القارئ في هذه الحلقات

نوافذ فيما أودعه المصنفون في تآليفهم في هذا الباب .

أهمية  المدارس الحديثية

فإن معرفة بلدان الرواة، ذات أهمية جليلة تسبُر من خلال هذه المعرفة الحركة الحديثية، ابتداءاً من قامات الرعيل الأول صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، ومطالعة تنقلاتهم، وما أثمروا في تلك  الأوطان من الآثار، ومعرفة من تتلمذ عليهم من التابعين وأتباعهم ، فيظهر بذلك  مدى

تباين الأمصار في تلقي العلم، والحرص على تبليغ الدين، وصيانة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذود عنه .

  وُيبرز الإمام الحاكم أهمية هذا العلم، في كتابه معرفة علوم الحديث،  ما نصه :  "هذا النوع من معرفة هذه العلوم معرفة بلدان رواة الحديث وأوطانهم .... فأول ما يلزمنا من ذلك أن نذكر تفرق الصحابة من المدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانجلاءهم عنها، ووقوع كل منهم إلى

نواحٍ متفرقة، وصبر جماعة من الصحابة بالمدينة لما حثهم المصطفى صلى الله عليه وسلم على المقام بها "

ثم سرد في كتابه من سكن البلدان من  الصحابة في مكة، والكوفة، ومصر، والشام، وغيرها(1) .

وتظهر أهمية معرفة المدارس الحديثية  أنها الوسيلة التي يستخدمها العلماء لكشف العلل كما أشار إلى ذلك الدكتور أبو موسى همام بن سعيد في مقدمته لشرح علل الترمذي لابن رجب: "معرفة المدارس الحديثية: نشأتها، ورجالها، ومذاهبها العقدية والفقهية، وأثرها وتأثيرها في غيرها، وما تميزت به عن غيرها....وبهذه المعرفة يعالج الباحث أسانيد كثيرة، فيكشف عن علتها، فإذا كان الحديث كوفياً احتمل التدليس، أو الرفض. وإن كان بصرياً احتمل النصب وتأثير الإرجاء والاعتزال في إسناده ".

وقد تكلم ابن رجب عن هذا عند كلامه على النوع الثاني من أنواع العلل، «وهو من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض»

قال: ومنهم عبيدالله بن عمر العمري، ذكر يعقوب بن شيبة أن في سماع أهل الكوفة منه شيئاً. ومنهم الوليد بن مسلم الدمشقي صاحب الأوزاعي، ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا حدث بغير دمشق ففي حديثه شيء

وكذلك فقد ذكر ابن رجب عددا من رواة الحديث  الثقات حدثوا عن أهل بلد فحفظوا حديثهم، وحدثوا عن غيرهم فلم يحفظوا. فمنهم إسماعيل بن عياش الحمصي أبو عتبة، إذا حدث عن الشاميين فحديثه عنهم جيد، وإذا حدث عن غيرهم فحديثه مضطرب. ومنهم معمر بن راشد، كان يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة.

وأمثلة هذا كثيرة مما يدل على استظهار الخافي من  العلل في معرفة المدارس الحديثية  (2)

_____________

(1) معرفة علوم الحديث للحاكم (1/190)

(2) للاستزادة أنظر: شرح علل الترمذي لابن رجب  تحقيق: أبو موسى همام بن سعيد(1/128) .



بحث عن بحث