القاعدة الرابعة عشرة: الجمع بين الترغيب والترهيب (1-2)

مدخـل:

إن من أهم الوسائل التربوية في الهدي النبوي هو الجمع في الأسلوب بين الترغيب والترهيب، والتوازن، واستخدام كل واحد منهما، في الوقت المناسب حسب طبيعة الإنسان ومدى استجابته في قبول الحق أو الإعراض عنه. ونفصل ما ذكر في الجوانب الآتية:

 

أولاً: التربية بالترغيب:

وهي نوع من الموعظة والتوجيه من خلال ربط العمل الصالح في الدنيا بالنتائج التي يؤول إليها في الدنيا والآخرة، وعرض هذه النتائج بصور مختلفة بحيث تتلاءم مع الفطرة الإنسانية السليمة، وفي ذلك حافز وتشجيع للإنسان للمبادرة إلى هذا العمل أو ذاك من أجل الوصول إلى تلك النتائج.

كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله القائم بالليل الصائم بالنهار»(1).

حيث ربط عليه الصلاة والسلام بين العمل الصالح المتمثل في الإنفاق على الأرملة وقضاء حوائجها وبين النتيجة المفرحة والمبشرة للنفس وهي حصول أجر كبير وعظيم كأجر المجاهد الذي يخرج بماله ونفسه في سبيل الله، وأجر الذي يقوم بالليل ويصلي ويدعو ويقرأ القرآن، وأجر الصائم الذي ترك شرابه وطعامه إرضاء لله.

وأسلوب الترغيب في التربية له علاقة وطيدة مع مسألة الرجاء لله وحسن الظن به، الأمر الذي يولّد عند الإنسان نوعًا من التفاؤل الذي يؤثر بصورة إيجابية على حركاته وسكناته في الحياة، لأنه يرى الفرج والأمل عند الله تعالى حين تشتد عليه الأزمات وتكثر عليه العسرات، لا سيما الأزمات النفسية التي تحبط صاحبها وتقيده عن العمل والحركة.

ومن أمثلة ذلك: حين يحسّ الإنسان بالذنب من ماضيه الأسود المليء بالمعاصي والخطايا، يصيبه الإحباط واليأس للخروج من مأزقه، فإن حسن الظن بسعة رحمته ومغفرته يجعله ينطلق بنفس جديد نحو الحياة وينسى ذلك الماضي الأسود ويحلّ مكانه حاضرًا مشرقًا بالعمل الصالح من العبادات والطاعات وغيرها.

وفي هذا الباب يقول أبو ذرّ رضي الله عنه: أتيت النبي ﷺ وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال: «ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر» وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر(2).

وقوله ﷺ لأبي هريرة رضي الله عنه: «اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة»(3).

 

ثانيًا التربية بالترهيب:

إن التربية بالترهيب والعقوبة من إحدى الوسائل المهمة في بناء شخصية الإنسان الإيجابية، حين لا تستجيب النفس ولا تنضبط بالترغيب وحده، فيكون الترهيب أداة معينة للترغيب ومكملة له لتصحيح المفاهيم وتقويم السلوك، ويتوقف ذلك على طبيعة النفس الإنسانية، حيث تستسلم بعض النفوس وتأخذ مسارها الصحيح بالتربية بالترغيب فحسب، وفي هذه الحالة يستغنى عن الترهيب والوعيد أو الشدة والقسوة معها، وبعضها الآخر تحتاج إلى الوسيلتين معًا، لتحقيق التوازن والاستقرار في بناء شخصيتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (5: 2047 ، رقم 5038)

(2) أخرجه البخاري (5: 2193 ، رقم 5489)

(3) أخرجه  مسلم (1: 44 رقم156)



بحث عن بحث