القاعدة الثانية عشرة: التيسير (2-2)

آثار التيسير:

لمنهج التيسير التربوي آثار ونتائج إيجابية كبيرة على الناس وعلى الدعوة إلى الله تعالى، ومن أهم هذه الآثار:

1-بناء الشخصية المؤمنة المعتدلة، التي  تمسك العصا من الوسط، والتي وصفها الله تعالى بقوله: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(1).

واليُسر في الدين والتيسر في العبادات والمعاملات من أهم أسباب تكوين الفكر المعتدل الذي يتناول الأشياء من غير إفراط أو تفريط.

وعلى العكس من ذلك فإن التشدد في الأحكام والقسوة على الناس في أمور الحلال والحرام يولّد الفكر المغالي، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا(2).

2-التيسير في الدين وفي التوجيه والتربية، يعين على نشر الدعوة بين الناس، لأن الفطرة تميل إلى اليسر والسماحة، وتنفر من التشدد والتعنت، لذا جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما حين بعثهما إلى اليمن أن يتّبعا هذا النهج في دعوة الناس وتعليمهم أمور الدين، فقال: «يسرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا»(3).

3-إن التيسير في التربية  تمنح الراحة النفسية للأبناء والبنات والطلاب وجميع المدعوين، لأنه لا يشقّ عليها بالتكاليف، ولا يحمّلها ما لا تطيق، لا سيما في العبادات، لأن التشدد في العبادات وتحميل النفس فوق طاقتها يحدث في كثير من الأحيان بعض الاضطرابات النفسية، كالقلق والعزلة والخوف، فضلاً عن التعب والنصب الذي يصيب الجوارج والأعضاء، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا التنطع والتشدد حين نصح الرهط الثلاثة الذين حاولوا العزوف عن الحياة والتزهد فيها بإرهاق النفس والجسد وحرمانها من المباحات التي أحلّها الله لهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني»(4).

4-التيسير في الدين والدعوة والتربية يستوجب محبة الله تعالى ورضاه عن عباده، لأنه جلّ وعلا أمر بهذا اليسر ورخصّه لعباده حتى لا يشقّ عليهم بالتكاليف، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته»(5).

      

وأخيرًا فإن مبدأ التيسير والمسامحة لا يعني:

- الإخلال بمقاصد الشريعة والدين، فلا يفهم من مبدأ التيسير أنه تفريط أو تسيب في تطبيق أحكام هذا الدين وتنفيذ أوامره، لأن هذا اليسر لا يكون في إثم أو معصية كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث سابق: «ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثمًا كان أبعد الناس من»(6). فيجب ملاحظة ذلك والحذر منه.

- ولا يعني هذا المبدأ تجاوز الحلال والحرام أو الإخلال بالمفاهيم الإسلامية والآداب العامة، لأنه مبني أصلاً على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصريحة، فليس في تقرير هذا المبدأ ابتداع أو إدخال أمر جديد في الدين، لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(7). وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(8).

- ولا يعني إقرار هذا المبدأ تحكيم الأهواء والرغبات، وتحقيق المصالح الشخصية من ورائه، وجعل ذلك يسرًا أو سماحة، لأن اليسر والسماحة يجب أن تكون مبنية على مصادر التشريع الأصلية وهي القرآن الكريم والسنة والنبوية والإجماع.

      

ونستخلص مما سبق: أن على المربي والداعية أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في بناء البرامج التربوية على هذا المبدأ العظيم، ومن ذلك أن تكون البرامج التربوية والدعوية مما يستطاع تنفيذه، ومن المحبب إلى النفوس من غير أن يكون فيها محظور شرعي. وبهذا سنجد آثار هذا التيسير على المتربي في مختلف جوانب حياته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 143]

(2) سبق تخريجه

(3) أخرجه البخاري (7: 599 رقم 3038)

(4) أخرجه البخاري (5: 1949 رقم 4776)

(5) أخرجه أحمد (10: 107 رقم 5866)

(6) أخرجه البخاري (9: 88 رقم 3560)

(7) [البقرة: 185]

(8) [الحج: 78]

 



بحث عن بحث