القاعدة التاسعة: استخدام الأساليب التربوية المختلفة (6-7)

رابعًا: أسلوب الاستفهام:

وهذا الأسلوب من الأساليب المهمة والناجحة في مجال التربية والتعليم، وإيصال المعلومة إلى الناس، حيث يستخدم الرسول ﷺ أسلوب الاستفهام حول المعلومة التي يريد إيصالها للناس، لأنه يشدّ أذهانهم للتأمل والتفكير في الاحتمالات الكثيرة الواردة حول هذه المعلومة، فيعطي كل منهم ما عنده حول ذلك، ثم يبدأ هو عليه الصلاة والسلام بالكلام الفصل في الموضوع، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»(1).

ولذلك يحسن بالمربي وبخاصة المعلم أو الداعية، أو الوالد في جلسته مع أولاده أن يستخدم هذا الأسلوب لفاعليته وأهميته وجُودةِ أثره.

 

خامسًا: القصة:

لسرد القصة أثر كبير في تحريك الفكر والمشاعر، لأن في كل حدث من أحداث القصة دروس وعبر يستفاد منها في الحياة، سواء على الصعيد الشرعي للقيام بالواجبات والفروض المكلف بها الإنسان، أو على صعيد التعامل اليومي مع الأهل داخل الأسرة ومع الناس في المجتمع، وقد ذكر النبي ﷺ قصصًا كثيرة من الأمم السابقة، مثل: قصص الأنبياء والصالحين، وقصص العصاة والمتجبرين.

- فمن بين هذه القصص، قصة الأقرع والأبرص والأعمى.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى بدا لله عز وجل أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال أي شيء أحب إليك قال لون حسن وجلد حسن قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب عنه فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا فقال أي المال أحب إليك قال الإبل أو قال البقر هو شك في ذلك إن الأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر فأعطي ناقة عشراء فقال يبارك لك فيها وأتى الأقرع فقال أي شيء أحب إليك قال شعر حسن ويذهب عني هذا قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب وأعطي شعرا حسنا قال فأي المال أحب إليك قال البقر قال فأعطاه بقرة حاملا وقال يبارك لك فيها وأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك قال يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس قال فمسحه فرد الله إليه بصره قال فأي المال أحب إليك قال الغنم فأعطاه شاة والدا فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من إبل ولهذا واد من بقر ولهذا واد من غنم ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري فقال له إن الحقوق كثيرة فقال له كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله فقال لقد ورثت لكابر عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا فرد عليه مثل ما رد عليه هذا فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى في صورته فقال رجل مسكين وابن سبيل وتقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري فقال قد كنت أعمى فرد الله بصري وفقيرا فقد أغناني فخذ ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك»(2).

- وكذلك قصة الرهط الثلاثة الذين آووا إلى الغار، وقصة أصحاب الأخدود، وقصة الذي قتل مئة نفس. وغيرها من القصص التي وردت في الهدي النبوية.

- وقد ذكر الله تعالى الغاية من سرد قصص الأمم وأخبار القرون، لما فيها من الفوائد العظيمة على حاضر الإنسان ومستقبله، يقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(3).

- وللقصة أثر كبير في القرب من الله تعالى، وتقوية الإيمان، والصبر والثبات في الشدائد والخطوب، كما جاء في حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه حيث قال: أتيت النبي ﷺ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة - وقد لقينا من المشركين شدة - فقلت : ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله»(4).

 

سادسًا: ضرب الأمثال:

وقد استخدم النبي ﷺ ضرب المثل كثيرًا في الأمر والنهي، والتوجيه والإرشاد، فمن صور ذلك، ما يلي:

- قوله ﷺ: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به»(5).

- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ مرّ بالسوق داخلاً من بعض العالية، والناس كنفته، فمرّ بجَدْي أسكّ ميّت، فتناوله، فأخذ بأذنه ثم قال: «أيّكم يحبّ أن هذا له بدرهم، فقالوا: ما نحبّ أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟! قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه، لأنه أسكّ، فكيف وهو ميّت! فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم»(6).

- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قدم على رسول الله ﷺ بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله ﷺ «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه فقال رسول الله ﷺ لله أرحم بعباده من هذه بولدها»(7).

- عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال وفي حديث بكر أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا»(8).

- قوله ﷺ: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانًا، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: «هلا وضعت هذه اللبنة؟». قال: «فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين»(9).

- «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت»(10).

- «مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة»(11).

فالمثل يخرج بالقياس من المعاني الخفية ما يحفز الإنسان ويثبت النفس ما لا يفعله الأمر والنهي المجرد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه مسلم (4: 1997 ، رقم 2581)

(2) أخرجه البخاري (3: 1276، رقم 3277)

(3) [يوسف: 111]

(4) سبق تخريجه

(5) أخرجه البخاري (1: 42 ، رقم 79)

(6) أخرجه مسلم (4: 2272 ، رقم 2957)

(7) أخرجه البخاري (5: 2235 ، رقم 5653)

(8) أخرجه البخاري (1: 197، رقم 505)

(9) أخرجه البخاري (3: 1300 رقم 3341)

(10) أخرجه البخاري (5: 2353 ، رقم 6044)

(11) سبق تخريجه



بحث عن بحث