القاعدة التاسعة: استخدام الأساليب التربوية المختلفة (2-7)

4 ــــ القدوة في التعامل مع الصغار:-

لم يكن عليه الصلاة والسلام القدوة الحسنة في التعامل مع الكبار فحسب، بل كان قدوة حسنة ونموذجًا أخلاقيًا رفيعًا في تعامله الحاني والرحيم مع الصغار والأطفال، فكان عليه الصلاة والسلام يلاعبهم ويمازحهم، ولا يغضب عليهم ولا يضربهم، حتى أحبه جميع الصبيان والأطفال، تقول عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ يؤتي بالصبيان فيدعو لهم فأُتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله»(1).

وإذا أصاب أحد هؤلاء الصغار مكروه، تجد الرسول عليه الصلاة والسلام يبكي عليهم ويحزن لمصابهم، فقد رآه مرة سعد بن عبادة رضي الله عنه وعيناه تفيض دموعًا، فقال رضي الله عنه: «يا رسول الله، ما هذا؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء»(2).

وفي هذا النموذج التربوي من الهدي النبوي درس عظيم للمربين والمدرسين وأولياء الأمور لبناء الأجيال الناجحة التي تتفوق في ميادين الحياة المختلفة.

 

5  ــــ القدوة في التعامل مع أعدائه:

كان النبي ﷺ القدوة العملية الحسنة في تعامله مع أعدائه أيضًا، الذين وقفوا في وجه الدعوة إلى الله، وأعلنوا الحرب عليه وعلى أصحابه، وآذوهم وقتلوهم، واعتدوا على أموالهم وهجّروهم إلى الحبشة والمدينة، وغير ذلك من أنواع التعدي والتنكيل، إلا أنه عليه الصلاة والسلام حين تمكّن منهم ودانت له الوفود والقبائل، لم يعاملهم بروح الثأر والانتقام، بل أظهر الجانب الإنساني ورسالة الرحمة التي جاء بها الإسلام، حين قال لهم بعد فتح مكة: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء»(3).

وعندما غادر إلى الطائف لعله يجد من ينصره هناك، استقبله بنو ثقيف بالطرد ولحقه صبيانهم بالحجارة والشتائم، حتى أدميت قدماه، جاءه ملك الجبال وقال له: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال عليه الصلاة والسلام: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا»(4).

وما أحوج البشرية اليوم إلى هذا الخلق، الذي افتقده العالم مع الأصدقاء وصاروا مع الأعداء وحوشًا كاسرة لا تعرف الرحمة ولا معنى للقيم والفضائل، وما نجده في هذا العصر من أسباب الدمار للعباد والنبات والماء بأقذر الأسلحة لدليل على فقدان الأخلاق لدى الأمم التي تمارس هذا السلوك تجاه من يعاديها من الشعوب.

 

6 ـــ القدوة في النزاهة:

حيث كان عليه الصلاة والسلام يرى نفسه جزءًا من المجتمع الذي يعيش في كنفه، ويحسب لما عند الناس من مفاهيم اجتماعية وأعراف إنسانية، فلم يكن ﷺ بعيدًا عن الواقع النفسي الإنساني، فإذا قام بعمل أو تصرف، أسرع إلى حقيقته وبيانه للناس، حتى لا تختلط عندهم المفاهيم أو تراودهم الخواطر والهواجس، تقول أم المؤمنين صفية ك : كان رسول الله ﷺ معتكفًا، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمت لأنقلب ، فقام ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا، فقال النبي ﷺ: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا : سبحان الله: يا رسول الله . قال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءًا»(5).

 

7 ـــ القدوة في التعامل المالي:

تظهر قدوة النبي ﷺ في الجانب المالي من خلال نظرته إلى المال والدنيا، وقد عبّر عن ذلك بقوله: «مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها»(6).

وبناء على هذه النظرة يمكن التعرف على التعامل المالي عند النبي ﷺ، فقد كان كريمًا يجود كالريح المرسلة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة»(7).

- فلم يضع عليه الصلاة والسلام في حسبانه الهدف المادي والمالي، بل كان همّه دعوة الناس وهدايتهم، والشاهد على ذلك حين عُرض عليه في بداية دعوته المال والملك والجاه والنساء، فأبى كل ذلك من أجل الوصول إلى تحقيقه غايته المنشودة.

- كان عليه الصلاة والسلام كريمًا معطاءً، لا يبخل على أحد من المال والمتاع، ففي الصحيحين عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، أن الأعراب علقوا بالنبي ﷺ مَرْجِعَه من حُنَيْن، يسألونه أن يقسم بينهم، فقال: «لو كان لي عدد هذه العَضاة نَعمًا، لقسمتُه بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا كذوبًا، ولا جبانًا»(8).

ويقول جابر رضي الله عنه: ما سئل النبي ﷺ عن شيءٍ قط فقال: لا.(9).

هو البحرُ من أيّ النواحي أتيته *** فلُجَّتُه المعروفُ، والجودُ ساحِلُهْ

- ولم يكن عليه الصلاة والسلام يخشى الفقر أو الفاقة من كرمه وجوده، بل كان يعطي القاصي والداني، من غير أن يحسب للمستقبل وما يؤول إليه، كما يفعل عامة الناس، يقول أنس رضي الله عنه: «ما سئل رسول الله ﷺ شيئًا إلا أعطاه، فجاء رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة»(10).

- إضافة إلى ذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام، من شدة كرمه وجوده، كان يهدي أصحابه متاعه الخاص، كالعباءة أو الثوب، فقد روي أن امرأة جاءت إلى النبي ﷺ ببُردة فقالت: يا رسول الله: أَكْسوك هذه. فأخذها النبي ﷺ محتاجًا إليها، فلبَسَها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحْسَنَ هذه، فاكْسُنيها. فقال: «نعم». فلما قام النبي ﷺ، لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنْتَ حين رأيتَ النبي ﷺ أخَذها مُحتاجًا إليها، ثم سألتَهُ إياها، وقد عرفتَ أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه. فقال: «رجوتُ بَركتَها حين لبِسها النبي ﷺ؛ لعلّي أُكفَّن فيها»(11)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (1: 232 رقم 222)

(2) أخرجه البخاري (3: 225 رقم 1284)

(3) السيرة النبوية لابن هشام، علق عليها وأخرج أحاديثها عمر عبدالسلام تدمري (4: 54-55).

(4) أخرجه البخاري (3: 1180 ، رقم 3059)

(5) أخرجه البخاري(5: 185 رقم 2038)

(6) أخرجه الترمذي (4: 588 ، رقم 2377)

(7) أخرجه البخاري (1: 7 رقم 6)

(8) رواه البخاري (7: 251 رقم 2821)

(9) أخرجه البخاري (5: 2244 رقم 5687)

(10) أخرجه مسلم (7: 74 رقم 6160)

(11)أخرجه البخاري(3: 215 رقم 1277)



بحث عن بحث