القاعدة الثالثة: المنهج التربوي منهج متكامل (1-4)

مدخـل:

لم يعرف البشر منذ تاريخ البشرية منهجًا متكاملاً يفي بحاجات الإنسان والكون كمنهج الرسول ﷺ، وجميع المناهج الوضعية ناقصة، وفيها خلل كبير، لأن المصدر لها غير متكامل وغير دقيق. أما المنهج النبوي فهو منهج متكامل يتسم بالشمول، والكمال، والواقعية، واليسر والسهولة، والوسطية والتوازن.

ونستعرض فيما يلي هذه الخصائص والسمات بشيء من الإيجاز:

السمة الأولى: الشمولية:

انطلاقًا من الآيات القرآنية في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}(1)، وقوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(2)، جاء المنهج النبوي في التربية شاملاً لمتطلبات الإنسان وحاجاته في نواحي الحياة المختلفة، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قام فينا النبي ﷺ مقامًا فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه(3).

وهذا بيان لعناصر الشمولية التي نقصدها:

أولًا: تربية الروح على أمور أساسية وفرعية، ومن أهم جوانب هذه التربية الروحية تعميق مفهوم الإيمان وأركانه الأساسية الستة في نفس الإنسان، ويجعلها منطلقه بحيث تنبثق أمور الحياة كلها من هذه الأركان، فيقيم المسلم حياته كلها عليها من أول يومه إلى آخره، ومن مبدأ تكليفه إلى مفارقته هذه الحياة.

فهذه الروح هي نفخة من روح الله تعالى حين خلق الإنسان لقوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}(4).

فيجب على المربي أن يعمق هذا المفهوم في نفوس الأبناء والبنات، فالمنطلق الأساس: التربية على هذا الإيمان. ويجب أن تقوم وسائل التربية كلها لتوضيح هذا الإيمان وتعميقه، فمثلاً يقيم علاقته مع ربه جل وعلا من مفهوم هذا الإيمان، ويقيم علاقته بالخلق، من هذا المفهوم، وكذا تعامله مع عناصر الحياة والكون من هذا الإيمان.

ولو تصورنا أن فردًا من الأفراد رُبّي وتربى كذلك، وفردًا آخر رُبّي على غير ذلك كمن يدعي أن الحياة مادة، أو أن العلاقة مع الله جل وعلا في جانب من جوانب الحياة فحسب دون الجوانب الأخرى، لا شك أن مسار الشخصين مختلفان، فالمؤمن يراعي ربه في صلواته وخلواته، والحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، يخشى الله ويتقيه، يصلي ويصوم، يحب الله تعالى ويحب رسوله ﷺ ويقدمها على كل المحاب، يعطي كل ذي حق حقه، ينصح ويوجه... وهكذا.

أما الآخر فبحسب مصالحه الدنيوية التي يتربى عليها، والمفاهيم التي أقام حياته عليها، فإذا كانت عنده الحياة مادة، أو لا علاقة بين الدين والحياة، فهذا قد يصلي ويصوم، ولكن يبني جوانب الحياة الأخرى على المصالح المادية، فإن كانت المعاملة تعود عليه بالنفع والفائدة، ضحك وابتسم، وصدق وبشّ، وأظهر الحرص على هذا التعامل، وقدّم الخدمات للآخرين، أما إذا كانت الأخرى فلا يَعْرف ولا يُعرف.

أرأيت أخي القارئ الفرق بين هذين الفردين، نعود لنقول: إن المنهج النبوي يربي الفرد التربية الروحية القوية لتكون منطلقًا لتسير حياته على الهدي النبوي المتكامل.

ولذلك نجد النبي ﷺ يركّز على هذا الجانب أيما تركيز، فهو في أول الدعوة في مكة لا يدعو إلاّ لهذا المبدأ، بل عند وفاة عمه أبي طالب كان يطلب منه أن يقول لا إله إلا الله، كل هذا يدل على عظم هذا الجانب.

ولعل من أهم ثمرات هذا الجانب من التربية:

1 – إحياء روح التفاؤل في الإنسان والقضاء على اليأس وأسبابه.

2 – حماية النفس من الوساوس التي تحول بين الإنسان والعمل الإيجابي في الحياة.

3 – حماية الإنسان من الأمراض النفسية المختلفة، مثل الكآبة والقلق والانفصام وغيرها.

4 – السمو على المادة بكل أشكالها واعتبارها وسيلة للوصول إلى تحقيق العدل في الأرض وإيصال رسالة الإسلام إلى الناس.

5 – حماية المجتمع من الجرائم المختلفة، من القتل والفواحش والسرقة والظلم وغيرها.

6 – تحقيق السعادة الحقيقية للإنسان، والتي يفتقدها كثير من الناس حين ابتعدوا عن الإسلام وتعاليمه، وصدق قول السلف رحمهم الله لو علمت الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف.

ومن مواد هذه التربية ومقرراتها: القيام بأركان الإسلام كما أمر الله تعالى ورسوله ﷺ، والإكثار من نوافلها صلاة وزكاة، وصيامًا وحجًا وعمرة، وقراءة لكتاب الله تعالى وذكرًا ودعاءً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الأنعام: 38]

(2) [النحل: 64]

(3) أخرجه البخاري (3: 1166 رقم 3020).

(4) [ السجدة: 9]



بحث عن بحث