القاعدة الأولى: وضوح الهدف (2-2)

ثانيًا: إصلاح عبادته: والقيام بها حق القيام، وعلاقته مع ربه جل وعلا، فيؤدي أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وسائر الأمور العبادية الأخرى كقراءة القرآن والدعاء والاستغفار والذكر وغيرها يقول الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(1).

ويخلص هذه العبادة لله سبحانه وتعالى، فلا يصرفها لغيره، ويصوغ حياته كلها لله عز وجل حتى تنقلب الأعمال العادية في حياته إلى عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، فإذا - مثلاً - سخّر نومه لراحة جسمه ومن ثم يقوم بأوامر الله عز وجل كان هذا النوم عبادة يؤجر عليها، وهكذا كل عمل مباح.

وأن يأتي بهذه العبادات كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال في شأن الصلاة: «صلوا كما رأيتموني أصلي»(2).

وكذلك الحال بالنسبة للمؤمن الذي يعمل من أجل كسب الرزق لنفسه وأهله، فإنه من أعظم العبادات وخير له من التكاسل والنظر إلى ما في أيد الناس، يقول عليه الصلاة والسلام: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه»(3).

فيحرص المربي على تحقيق هذه الغاية في العملية التربوية وهي الدمج بين ضروريات الحياة وأداء الفروض والعبادات لله تعالى، امتثالاً لقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(4).

ثالثًا: إصلاح أخلاقه وسلوكه، فيقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن، فيعامل الناس معاملة طيبة، ويخالقهم بخلق حسن، معاملة تقوم على المحبة والمودة والرحمة والعطف والإحسان وحب الخير، مجتنبًا الحسد والحقد والبغضاء وحب الشر، قال عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»(5)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانًا»(6)، وقال صلى الله عليه وسلم: «وخالق الناس بخلق حسن»(7).

ويدخل في هذا الباب أيضًا برّ الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار ومساعدة الفقير، وتنفيس الكربات عن المحتاجين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول عليه الصلاة والسلام: «من نفّس عن مسلم كربة نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»(8)، ويقول أيضًا: «واتقوا الله ولو بشق تمرة»(9)، وغيرها من أفعال الخير الكثيرة اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي أثنى عليه ربه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(10).

رابعًا: بناء الإنسان بصورة إيجابية، بحيث يكون منتجًا ومبدعًا في دنياه، وعابدًا عاملاً لآخرته، فلا يطغى أحد الطرفين على الآخر، وهو المنهج الرباني الذي أخبر عنه الله تعالى في كتابه بقوله: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}(11).

ووفق هذه الرؤية المتوازنة في الحياة يستطيع الإنسان أن يبدع ويبتكر في المجال المتخصص فيه، فالتربية النبوية:

تخرّج الطبيب المبدع في مهنته والمتقن لعمله.

وتخرّج المدرّس الأمين على أداء رسالة التدريس إلى طلابه.

وتخرّج التاجر الصدوق في بيعه وتعامله مع الناس.

وتخرّج المرأة الصالحة التي تساند زوجها وتعينه على العمل الصالح وتربية الأبناء. وهكذا..

وبذلك تتحقق الخيرية التي وصف الله تعالى بها الأمة المسلمة بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(12).

   

والخلاصة:

1 - أن يتضح للمربّي هذا الهدف الكبير وهو "إصلاح الإنسان"، فيسخر كل جهده وطاقته لهذا الإصلاح، ومن ثم يندرج تحت الهدف العام الأكبر: عبادة الله جل وعلا وعمارة الكون.

2 - إن وضوح هذا الهدف عند المربّي فيسعى إليه في تربيته، وترسيخه عند المتربي يورث آثارًا إيجابية كبرى من أهمها: استثمار هذه الحياة، والعيش فيها بسكينة وطمأنينة، والبعد عن الاضطراب والمتناقضات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [اﳌﺰﻣﻞ: 20]

(2) أخرجه البخاري (1: 226 رقم 605)

(3) أخرجه البخاري ( 2: 730 رقم 1968)، ومسلم (3: 79 رقم 2449).

(4) [القصص: 77]

(5) أخرجه البخاري (1: 182 رقم 467)

(6أخرجه البخاري (5: 2253 رقم 5719)، ومسلم(8: 10 رقم 6703).

(7) أخرجه  الترمذي (4: 355 رقم 1987)، وأحمد(35: 284 رقم 21354).

(8) أخرجه مسلم (8: 71 رقم 7028).

(9) أخرجه البخاري(2: 514 رقم 1351)، ومسلم(3: 86 رقم 2394).

(10) [الأنبياء: 107]

(11) [القصص: 77]

(12) [آل عمران: 110]

                                                    ¡  ¡  ¡



بحث عن بحث