مدخل

الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على نبينا محمد النبي المصطفى وعلى آله وأصحابه، ومن على نهجهم سار واقتفى، أما بعد:

فإن من المعلوم أن التربية من الوظائف الكبرى في هذا الوجود، بل هي وظيفة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ينطلق منها كل قوم بحسب مبادئهم وهوياتهم ومعتقداتهم، وكل يسعى لنجاح منهجه التربوي، والشامل لأهدافه ووسائل تحقيقها.

وقد وضع رسول الله ﷺ منهجًا تربويًا متميزًا من خلال أقواله وأعماله وأسلوب حياته وتعامله، فالرسول ﷺ هو المربي الأكبر، ربّاه ربّه وأدّبه، وأنزل عليه وحيه وجعله قدوة للناس:

- فهو قدوة في تعامله مع ربه عز وجل: «أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورا»(1).

- وهو القدوة في تعامله مع الناس، قال الله عنه: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(2)، وتقول عنه عائشة رضي الله عنه: «كان خلقه القرآن»(3).

- وقدوة في تعامله مع أهله فهو القائل: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»(4).

وقدوة في لطفه ورقته أثناء دعوته للناس ونصحهم وتوجيههم، قال الله عنه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(5).

- ولم ينهر عليه الصلاة والسلام الأعرابي الذي بال في المسجد، بل زجر من نهره من الصحابة، فلما قضى بوله دعاه وأخبره بأن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول أو القذر، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن والصلاة، فأعجب الأعرابي بهذا الأسلوب اللين الرائع، فقال – كما جاء في إحدى الروايات -: «اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا» فقال عليه الصلاة والسلام: «لقد حجرت واسعًا»(6).

- وكان عليه الصلاة والسلام قدوة إذا انتهكت محارم الله، أو تعدي على حدود الله، أو تجاوز الناس منهجه بتشدد عسير، أو تساهل غير يسير، حيث يقول: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»(7)، ويقول: «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»(8).

- ثم إن الصحابة رضوان الله عليهم تأثّروا بهديه عليه الصلاة والسلام في التربية، فعملوا به ونقلوه إلى الناس من بعدهم قولاً وعملاً، وقد أثنى الله تعالى عليهم في كتابه العزيز بقوله: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}(9)، وقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}(10).

فهؤلاء الصحابة الذين اقتدوا بهدي النبي ﷺ هم الذين آمنوا به ونصروه وعملوا بما جاء به من الله تعالى وسارعوا في نشره والذب عنه في البلاد والأمصار.

وهؤلاء الصحابة هم الذي واصلوا الليل بالنهار في العبادة ونشر الخير في الأرض كما قال عنهم ربهم: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}(11).

لقد ضرب جيل الصحابة أروع الأمثلة في الاقتداء بالنبي ﷺ والالتزام بما جاء به من الأحكام والتعاليم، حتى جعلهم الله تعالى من خير الأمم فقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(12).

ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في أخلاق هذا الجيل وما اتصف به «من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب رسول الله أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم»(13).

هكذا كان منهجه عليه الصلاة والسلام في التربية، منهج تربوي متكامل، وهكذا كان اقتداء الصحابة رضوان الله عليهم بهذا المنهج، وتأتي هذه القواعد لاستقاء هذا المنهج بشيء من الاختصار غير المخل، والتفصيل غير الممل، هكذا قصدنا، لتكون منهاجًا للأمة ونبراسًا لأبنائها في دروب الحياة المختلفة، لا سيما أولياء الأمور والمربّين في مجال التربية والتعليم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1أخرجه البخاري (1: 380 رقم 1087)

(2[الأحزاب: 2]

(3أخرجه مسلم (2: 278 رقم 1773)

(4أخرجه الترمذي(5: 709 رقم 3859).

(5[آل عمران: 159]

(6أخرجه البخاري، (5: 2238 رقم 5664)

(7أخرجه البخاري(5: 1949 رقم 4776)

(8أخرجه البخاري، (5: 2296)

(9[الفتح: 18]

(10[الفتح: 29]

(11[الذاريات: 17-19]

(12[آل عمران: 110]

(13درء التعارض لابن تيمية (2: 355).




بحث عن بحث