الخاتمـــــــة (1-3)

فإن ما سبق كان مجموعة من المعالم المهمة المستقاة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، والتي تعدّ زاد المؤمن في رحلة حياته الدنيا، ورصيده عند الله تعالى في الحياة الآخرة، وهي تتناسب مع طبيعة الإنسان وقدراته، إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وقد جاءت هذه المعالم بناء على منطلقَيْن رئيسين، الأول: منطلق بنائي للشخصية السوية، والثاني: منطلق علاجي في حال حدوث عارض.

الأول: بناء النفس السوية: ومن أهم أسس هذا المنطلق:

1– العلم بالله تعالى وبرسوله ﷺ وبشريعته، وهو الذي يعطي الإنسان التصور الصحيح عن الكون والحياة والإنسان، ويفسّر حقيقة وجوده، الأمر الذي يجعله يتعامل مع المشكلات والأمراض بتوازن واعتدال، فلا يَضل ولا يُضل.

2– الاستقامة مع الله تعالى، في العقيدة والعبادة والأخلاق، فإنها من دواعي استقرار النفس وبناء الشخصية السوية، لأنها تزيد الثقة بالله تعالى، وتبث روح التفاؤل عند الإنسان، وتقوّي إرادته في مواجهة تحديات الحياة ومصاعبها.

3– إخلاص الأعمال لله تعالى، وطلب الأجر منه جل وعلا وحده دون سواه، فيجرّد النفس من العوالق الدنيوية، ويطهرها من النفاق والكذب، ويجعلها متعلقة بالله وحده، وهذا يسهم في بناء الشخصية السوية، لأن التعلق بالآخرين والعمل لإرضاهم يدخل الإنسان في دوامة القلق والهموم والتفكير المستمر.

4- التوكل على الله تعالى بطلب الاستعانة منه وحده، واتخاذ الأسباب المشروعة والعمل بها، وقد تكفّل الله تعالى بحفظ المتوكل الصادق وتوفيقه في الحياة، فقال: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(1)، فتستقر نفسه وتطمئن بالسكينة، وتسلم من شرور الشياطين ووساوسهم، الأمر يهيّأ المتوكل في بناء شخصيته السوية الناجحة.

5– محبة الله تعالى، المتمثلة في اتباع أوامره والانتهاء عن زواجره، وهي محور مهم لبناء الشخصية السوية، وتوثق عرى العلاقة بين العبد وربه، فتزيد من قوة الإنسان وإرادته، لأنه لا يخرج عن أوامر المحبّ ولا يتجاوز شرعه إلى غيره، فيصبح أكثر تحكّمًا في سلوكه، وأشد ثباتًا أمام العوائق المادية والعوارض النفسية.

6– إن خشية الله تعالى وحده، والخوف من عذابه وعقابه، من العوامل القوية في بناء الشخصية القوية، لأنه يبعث في النفس الشجاعة والجرأة الواعية، ويزيل منها الخوف السلبي المذموم كالخوف من الأشياء ومن الأوهام والمجهول والمستقبل وغيره، وبهذه الروح يستطيع الإنسان أن يواجه ما يعتريه من المشكلات والعقبات في حياته.

7- الرجاء إلى الله تعالى في قبول العمل وحصول الأجر، عامل مهم في بناء النفس واستقراره، لأنه يُربط الإنسان بالله تعالى في جميع الأحوال والأزمان، من خلال الشعور الدائم بقرب رحمة الله تعالى منه ومغفرته له، وهذا من شأنه أن ينزل الطمأنينة النفسية والراحة في النفس.

8– حسن الظن بالله تعالى، وأنه رؤوف بعباده رحيم بهم، وبكل ما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا، حيث يتولى شؤونهم في الحياة الدنيا ويسهل عليهم أمور الآخرة، بإرسال الرسل والكتب، وكلها أسباب وقايتهم من عذابه وغضبه، كما تساعد في تكوين الشخصية السوية، لأن هذا التصور يطمئن النفس ويسكنها، ويطرد عنها القلق والخوف والاضطراب.

9- إن شكر النعمة، بالاعتقاد والقول والعمل، يؤدي إلى الطمأنينة والراحة النفسية الدائمة، مما يساعد العبد على بناء الشخصية السوية المعتدلة، لأنه لم يجعل الدنيا في قلبه وإنما جعلها في يده، ولم يتكبر على الناس بنعم الله ولم ينسبها إلى نفسه، وإنما يرجعها ويرجع فضلها لله تعالى، ومن كانت هذه حاله استطاع أن يتغلب على المشكلات المختلفة والعوائق الكثيرة التي تعترضه في الحياة.

10– الصبر زاد المؤمن في الحياة وعامل مهم في بناء الشخصية السوية، فبالصبر تنفرج الكربات، وتتلاشى المشكلات، وتزول الأزمات، وتتحقق النجاحات، لأن العبد الصابر يعلم يقينًا أن ما يصيبه من البلاء إنما هو بأمر الله تعالى ولحكمه هو يعلمها، وهو على يقين أيضًا أن الله تعالى مجازيه على ذلك الجزاء الأوفى في الآخرة، فتطمئن نفسه وتستقر حالته، ولا يجد اليأس والقنوط إلى نفسه سبيلاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الطلاق:3]



بحث عن بحث