قواعد وأصول في تعبير الرؤى (1-2)

من خلال النصوص التي وردت في الرؤى من الكتاب والسنة يتبين أن الرؤيا الصالحة أو الصادقة تُعَبَّر وليست الأحلام والأضغاث، فقد عبّر يوسف عليه السلام رؤياه حين رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدين، وأخبر بها والده يعقوب عليه السلام حين التقى بوالديه وإخوته جميعًا، قال الله تعالى في ذلك: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}(1).

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل الصحابة أحيانًا بعد صلاة الفجر ويقول: «من رأى منكم رؤيا فليقصَّها أعْبُرْها له»(2).

وتفسير الرؤيا له أصول وقواعد، لا بد من توافرها في العابر وفي المنهج الذي يتبعه في التعبير، ومن أهم هذه القواعد:

1– أن يكون العابر عالمًا بالقرآن الكريم، وتفسير آياته وأسباب نزولها، ومعرفة الناسخ والمنسوخ منه، حتى لا يتجاوز التعبير القرآني للرؤيا إلى غيره، لأن في كتاب الله تعالى مدلولات وإشارات كثيرة يمكن من خلالها تفسير الرؤيا، مثل تفسير البقرات السمان بفترة الرخاء ورغد العيش، والبقرات العجاف بسنين القحط والمجاعة، فالجهل بالقرآن يؤدي إلى الجهل بالتعبير للرؤيا، مما يسبب ضررًا للرائي لأن المعبّر قد أدخله المدخل الخاطئ، فيعيش في عالم كاذب من الخيالات والأوهام.

2-  أن يكون عالمًا بالسنة، لأنه ورد في السنة تفسير وتعبير لبعض الرؤى، كقوله ﷺ في القيد والغلّ: «وأحبُّ القيد في النوم وأكره الغلَّ، القيد ثبات في الدين»(3).

كما ورد في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إني أرى الليلة في المنام ظلة(4) تنطف(5) السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سبباً(6) واصلاً من السماء إلى الأرض، فأراك أخذت به، فعلوت، ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وصل له فعلا.

قال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فلأعبرنها. قال رسول الله ﷺ: اعبرها. قال أبو بكر: أما الظلة؛ فظلة الإسلام. وأما الذي ينطف من السمن والعسل؛ فالقرآن حلاوته ولينه. وأما ما يتكفف الناس من ذلك؛ فالمستكثر من القرآن والمستقل. وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض؛ فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله به، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به. فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله ﷺ: «أصبت بعضاً وأخطأت بعضًا». قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت. قال: «لا تقسم»(7).

3– أن يكون لديه علم باللغة العربية، من حيث معاني الكلمات ودلالتها، وأن يميّز بين الحقيقة والمجاز، والمقيد والمطلق في اللغة، ومقاصد الألفاظ واستعمالات الكلمة الواحدة في المواضع المتعددة، لما في ذلك من فهم للنصوص الشرعية وأقوال الأولين من أهل العلم أولاً، ثم الحكم على الرؤيا وتعبيرها بشكل صحيح ومفيد ثانيًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [يوسف: 100]

(2) أخرجه مسلم (ص1006، رقم 5931) كتاب الرؤيا، باب في تأويل الرؤى.

(3) أخرجه الترمذي (ص521، رقم 2270) كتاب الرؤيا، باب رؤيا المؤمنين جزء من 46 جزءًا من النبوة. وأحمد (2/507، رقم 10598). وهو صحيح على شرط الشيخين.

(4) الظلة: السحابة.

(5) تنطف: تقطر.

(6) السبب: الحبل.

(7) أخرجه البخاري (ص1214، رقم 7046) كتاب التعبير، باب من لم يرد الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب. ومسلم (ص1006، رقم 2269) كتاب الرؤيا، باب في تأويل الرؤيا.

 



بحث عن بحث