علاقة الرؤيا بالأمراض النفسية (1-2)

إن للرؤيا علاقة وطيدة مع الأمراض النفسية، وهي علاقة متبادلة، حيث تكون بعض هذه الأمراض نتيجة للرؤى، خاصة الأضغاث والأحلام المزعجة التي تتوالى على الإنسان في بعض المراحل أو الظروف، أو أن كثيرًا من هذه الأحلام والأضغاث تلاحق الإنسان نتيجة الأمراض النفسية المختلفة التي يعاني منها، كالخوف أو القلق أو الحزن أو التشاؤم وغيرها.

إلا أن بعض هذه الرؤى ربما يستفيد منها الإنسان لمعالجة بعض الأمراض النفسية لديه، لا سيما إذا كانت من عبد صالح، وفيه من المبشرات، لأنها تعطيه أملاً في الشفاء والتخلص من الحال التي يعاني منها.

وبهذا يمكن تحديد العلاقة بين الرؤيا والمرض النفسي بشكل إيجابي أو سلبي:

أولاً: العلاقة الإيجابية بين الرؤيا والمرض النفسي:

من المعلوم أن الحياة دار ابتلاء واختبار، لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(1).

وقد بيّن الله تعالى الزاد الذي يتزود به العبد نحو الشدائد والخطوب وجميع الابتلاءات، ألا وهو الصبر، والاحتساب، والرضى بقدر الله وقضائه، يقول تبارك وتعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(2).

وكان الصبر سنة للأنبياء والرسل، يقول تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ}(3).

وقد ضرب نبي الله أيوب عليه السلام أروع المثل في الصبر على المرض الذي أكل من جسده سنين طويلة، فلم يتضجر ولم ييأس، بل بقي عنده الأمل بالله في الشفاء والعافية مستمرًا وقويًا، حتى تمّ له ذلك وجزاه الله على صبره خيرًا في الدنيا، وجنة وحبورًا يوم القيامة، قال عنه الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ . ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(4).

ويقول رسول الله ﷺ: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وفي ولده، حتى يلقى الله يوم القيامة وما عليه من خطيئة»(5). ويقول أيضًا «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط»(6).

وفي الحديث القدسي، قال رسول ﷺ: «يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»(7).

فإذا كان العبد صابرًا ومحتسبًا في مرضه، وراضيًا بقضاء الله وقدره، فإنه إنسان إيجابي، ويستطيع أن يستفيد من كل شيء في الحياة ويستغله في التعافي من المرض أو التخفيف من وطأته.

وبناء على ذلك فإن العبد المبتلى بأي مرض، سواء كان عضويًا أو نفسيًا، يستطيع أن يجد في الرؤيا خيرًا لنفسه ومخرجًا لمرضه وعلاجًا له، لا سيما إذا كان مخلصًا وصادقًا، لأن كثيرًا من الرؤيا تصبح صادقة، وتكون مبشرات له، تفتح عليه أبواب الأمل والتفاؤل، بل تزداد ثقته بالله تعالى وبقدرته على شفائه وإخراج المرض من جسده.

يقول عليه الصلاة والسلام: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات»، قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة»(8).

وإذا كان العبد صالحًا، ويتحلى بآداب الرؤى، بحيث إذا رأى رؤيا حسنة: يقوم بما وصّى به النبي ﷺ من: الحمد والثناء على الله، وإخبارها بمن يحبه، وعرضها على أهل العلم الموثوق بهم، وغير ذلك من التوجيهات النبوية، وكذلك الحال بالنسبة للرؤيا المحزنة والمزعجة، فيقوم وينفث عن يساره ثلاثًا، ويستعيذ بالله من الشيطان، ولا يكلم بها أحدًا، ويصلي ركعتين لله، فإن هذا العبد بهذه الأعمال والسنن يدفع عن نفسه شرور الشياطين، ويسدّ أبواب التأثر بالأضغاث وأهاويل الشياطين.

وبالتالي فإن الشفاء والمعافاة تصبح قريبة منه بإذن الله تعالى، لأن جلّ الرؤى لديه تتحول إلى مبشرات ومفرّجات، فيتعامل معها على هذا الأساس الذي من خلاله يمكن أن يتخلص من بعض معاناة النفس واضطرابها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الملك: 2]

(2) [البقرة: 155-157]

(3) [الأنبياء: 85]

(4) [ص: 41-44]

(5) أخرجه الترمذي (ص547، رقم 2399) كتاب الزهد، باب الصبر على البلاء. وصححه الترمذي.

(6) سبق تخريجه.

(7) أخرجه البخاري (ص1115، رقم 6424) كتاب الرقائق، باب العمل الذي يبتغي به وجه الله.

(8) أخرجه البخاري (ص1206، رقم 6990) كتاب التعبير، باب المبشرات.



بحث عن بحث