الرقية الشرعية والتوكل على الله

إن المفهوم الصحيح للتوكل على الله تعالى هو طلب القوة والعون منه جلّ وعلا، ثم اتْباع ذلك بالعمل والأخذ بالأسباب، ترك أحد هذه الأمرين يعدّ خللاً ونقصًا في صحة التوكل ومساره، وهذا من السنن الكونية التي أودعها الله تعالى في عباده وسار عليها الرسل والأنبياء عليهم السلام، فلم يكن الوحي وإنزال الكتب السماوية إلى الرسل ومن ثم أمرهم بتبليغها إلى الناس إلا من باب اتباع الأسباب، الأمر الذي يدل على أن فعل السبب لا ينافي أصل التوكل، بل إنه جزء لا يتجزأ منه، مع اليقين بأن كل ما يجري في الكون يكون بأمر الله تعالى وبإرادته وقضائه وقدره.

وقد جاء هذا الربط واضحًا في حديث النبي ﷺ الذي يكشف عن حقيقة التوكل حين قال: «لو أنكم كنتم توكَّلون على الله حق توكله لرزقتم كما تُرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا«(1).

ويمكن إسقاط هذا التصور عن حقيقة التوكل على علاقته بالرقية الشرعية التي تعدّ من سببًا من أسباب الشفاء الذي هو بيد الله وحده، وقد حث النبي ﷺ على العمل بهذا السبب كعلاج لبعض معاناة الإنسان النفسية والعضوية، كما قال: «يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء«(2).

كما أوضح النبي ﷺ هذا التصور حين ربط بين التوكل على الله وما يقوله من ذكر ودعاء الذي نوع من الرقية أثناء الخروج من البيت فقال: «إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي«(3).

وهذا يعني أنه لا تعارض ولا تنافر بين ما يقوم به الإنسان من القراءة على نفسه أو قراءة غيره عليه، وبين التوكل الصحيح على الله تعالى، لأن كل واحد منهما يكمل الآخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الترمذي (ص536، رقم 2344) كتاب الزهد، باب التوكل على الله. وابن ماجه (ص607، رقم 4164) كتاب الزهد، باب التوكل على الله. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2) سبق تخريجه

(3) سبق تخريجه.



بحث عن بحث