الوقاية من العين (1-2)

الوقاية خير من العلاج، هذه المقولة تنطبق على جميع شؤون الحياة والحالات التي يمر بها الإنسان سواء كانت مرضية أو غيرها من المشكلات والمصائب، وانطلاقًا من هذا المبدأ فإن ثمّة أمور حددها الشرع للوقاية من العين، ومن أهمها:

1-توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبودية والإخلاص فيها بصورة عملية وفق المنهج الذي رسمه لعباده في كتابه وسنة نبيه ﷺ، لأن ذلك يحفظ الإنسان ويحميه من جميع الشرور والمكائد الإنسية والشيطانية، سواء عن طريق العين والحسد أو عن طريق السحر والشعوذة، وهذه حقيقة واضحة في كتابه الله، فقد أقسم الشيطان بإغواء الناس وإيذائهم وصدهم عن الخير والهدى، لكنه استثنى عباد الله الموحدين والمخلصين الذين لا يستطيع السيطرة عليهم، يقول تبارك وتعالى في ذلك الحوار: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ . قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ . إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ . قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}(1).

ثم إن الله تعالى أخبر الأمة بضعف الشيطان وقلة حيلته في قوله: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}(2).

2- الاستعاذة بالله تعالى من العين وأسبابها من الشياطين والحاسدين لقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِن شَرِّ مَا خَلَقَ . وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ . وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ . وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(3). فالاستعاذة هنا من شر الشياطين ووساوسهم، ومن شر السحرة والمشعوذين، ومن شرّ الحاسدين وعيونهم.

كما يقول جل وعلا: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}(4).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي ﷺ يعوذ الحسن والحسين ويقول: «إن أباكما كان يعوِّذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة«(5).

3- التوكل على الله تعالى يحفظ العبد من العين، لأن الله تكفل بحفظ المتوكلين وحمايتهم من شرور الشياطين والحاسدين وغيرهم، حيث يقول: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(6) ومن كان الله حسبه، فلا يخاف على نفسه وماله من الحسد أو العين.

4- عدم الاشتغال بالحسدة والعائنين، لأن الاشتغال بهم يؤدي إلى التأثر بهم واتباع سلوكهم والوقوع فيما وقعوا فيه من الحسد والحقد على الآخرين.

5- الإحسان إلى الحاسد إذا عُرف، ومساعدته وقضاء حاجته إذا كان معسر الحال، حتى يخرج من صدره الحسد والضغينة نحو الآخرين، لأن الحاجة والفقر الإنسان أحيانًا إلى الحسد والعين، يقول تبارك وتعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(7).

6- عدم التعرض لما يثير الحسد والغيرة عند الناس، فمن كان ميسور الحال، وعنده من متاع الدنيا ما ليس عند غيره، يجب أن يراعي مشاعر الناس وحاجتهم وفقرهم، فلا يتباهى باللبس الملفت، أو السيارة الفارهة، أو الكماليات النفيسة، وكذلك النساء فلا يتباهين بالحلي الثقيل، والهيئة الثرية، والزينة المفرطة، لأن ذلك من أسباب الحسد والإصابة بالعين.

ويلحق بهذا الأمر، الحذر من تزيين الأطفال بصورة ملفتة، أو الخروج بهم من غير القراءة عليهم والدعاء لهم، وفق الهدي النبوي.

وهذا لا يعني عدم التمتع بالمال، والنعم الأخرى، التي هي من فضل الله تعالى، ولكن ينبغي الاعتدال في ذلك وعدم التباهي بها، مراعاة لمشاعر الناس وأحوالهم وحرمانهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ص: 77 – 83]

(2) [النساء: 76]

(3) سورة الفلق.

(4) [المؤمنون: 97]

(5) سبق تخريجه.

(6) [الطلاق: 3]

(7) [فصلت: 34]



بحث عن بحث